حرّكَت إجراءات الإزالة الرسمية سيلاً من الذكريات الموغلة في القدم عن أحد أقدم أسواق مكةالمكرمة، وظل "حي الحلقة القديمة" ملتقى قوافل المزارعين والتجار والمتسوقين في قبلة الدنيا لأكثر من نصف قرن، والتي كانت تموج بضجيج الحراك التجاري، حيث تبلغ مساحة الحي التاريخي حدود (4000) م2، وينحصر بين منطقة "الغزة" من خلف مبنى البريد المركزي، وبين طريق "طلعة الفلق"، ويتميز ببنايته العالية وأزقته الضيقة، حيث تحولت (90%) من مبان الحي إلى مساكن للحجاج والمعتمرين، يميزها طرازها المعماري القديم، ويتبع الحلقة سوق أخرى رائجة لبيع أعلاف الماشية، إضافة إلى محلات بيع الفحم والحطب. ونظراً لدخول المنطقة دائرة الزحام، وعدم توفر المواقف؛ تم إلغاء "الحراج" ومحلات بيع "العلف" إلى خارج المنطقة المركزية بمكةالمكرمة، ولعل من أشهر معالم الحلقة اليوم مبنى البريد المركزي، وعمارة الأمير سلطان بن عبدالعزيز-رحمة الله-. وتحولت "الحلقة القديمة" اليوم إلى أثر بعد عين؛ وستصل التوسعة إلى جسر "السليمانية"، وقدرت قيمة نزع الملكية ما بين (70) إلى (100) ألف ريال للمتر المربع. بداية إزالة المباني كشف عن ماضي الحلقة العتيق وقال "حميد النمري"-من كبار السن-: أنّه عاصر الحراك التجاري للسوق ما بين عامي 1370-1380ه، حيث كانت تفد قوافل الجمال من مزارع الطائف والهدا، محملةً بالخضار والفواكه، وتشق طريق "كرا" الحجري القديم، مبيناً أنّه شارك مع (300) عامل في بناء مجمع البريد، وبأجر قدره ثلثاة ريالات يومياً، حيث كانت توزع عليهم قطعةً نحاسية في أول اليوم قبل البدء في العمل. وأشار "أسعد حلواني" -ممن عاصروا تاريخ الحي- إلى أنّ "الحلقة القديمة" كانت أشبه بسوق تمويني لأهل مكةالمكرمة، مؤكداً على أنّ "الحلقة القديمة" لم تعرف العمالة الوافدة قديماً، حيث كلُّ العاملين من أبناء مكةالمكرمة، وأنّ أهل مكة كلما ذكرت "الحلقة" يذكرون محلات بيع الفول الحجازي بنكهته الشعبية، والذي تفوح منه رائحة السمن البلدي. وبيّن "صويلح الهذلي" أنّ "الحلقة القديمة" كانت تضم سوقاً رائجة لبيع منتجات سكان بادية مكةالمكرمةوالطائف، وذلك لبيع السمن البري، والعسل البلدي، والجبن البلدي، ومنتجات الجلود- من المخازن والقرب والصوف والفرو -، مضيفاً أنه يحضر أهالي البادية بضائعهم من مختلف المناطق المحيطة بمكة، تحملها الجمال قاطعة جبال مكة وأوديتها وشعابها. وقد شهدت "الحلقة القديمة" حركةً شرائية قوية في ذلك الوقت، وكانت ذات أهمية لوقوعها في منتصف مكةالمكرمة، حيث التقاء القادمين من جميع الجهات؛ من "الأبطح" عن طريق المنطقة الوسطى والطائف ومزارع الزيمة والمضيق وغيرها، وكذلك القادمين من جهة طريق المدينة والمزارع الواقعة خلف الجموم ووادي فاطمة، وقربها من المسجد الحرام اكسبتها أهمية كبيرة.