بين الماضي والحاضر تكمن روعة الأماكن ... فالتاريخ دائما هو البداية الفعلية والحقيقة للحاضر .. وبين حنين إلى الايام القديمة ومحاولة مجاراة المدنية .. تكمن حلاوة الذكريات « ... مكةالمكرمة تعيش هذه الأيام أولى نفحات الانتعاش في أسواقها التجارية بعد ان قام الحجاج بأداء مناسكهم ، حيث حط ضيوف الرحمن رحالهم تأهباً للمغادرة والتوديع ووسط ملامح ومتغيرات جديدة في المشهد التجاري بمكةالمكرمة لعل ابرزها اختفاء الأسواق والأزقة التجارية بضجيجها الممتع وهي تفيض بجموع المتسوقين ويفوح منها عبق ماضي الأسواق القديمة . الحجاج العارفون بمكة قديماً يتسوقون على ذكرى أسواق تاريخية أزيلت لصالح توسعة ساحات الحرم المكي منها أسواق الجودرية والغزة والشامية ، والتي ظلت لأكثر من خمسين عاماً ملتقى المكيين من البادية والحاضرة إضافة إلى قاصدي بيت الله الحرام . فبعد أن كانت أسواق مكة القديمة ازقة ضيقة يفوح منها عبق الماضي ومنازل قديمة تزينها الرواشين والأبواب الخشبية المرصعة وبقايا ألوان تزين واجهات تلك المنازل ، ومع مرور الزمن تحولت هذه المنازل إلى اكواخ أشبه بمنازل خربة تحاصرها من كل اتجاه البنايات الفاخرة ذات الواجهات الزجاجية . المتغيرات الجديدة على اسواق مكة ، أظهرت ملامح جديدة إذ أصبح التسوق داخل أسواق زجاجية مكيفة تدار بالحاسوب والحراسات الأمنية والسلالم الكهربائية وذلك بعد أن حلت أربعة أسواق حديثة مكان ما يعرف بسوق مكة القديم . صورة مبهجة تعيشها مكة حيث تجسد اسواقها خليطا من اغلب الدول الإسلامية ، فالزائر يعتقد لوهلة انه في سوق تجارية مشتركة لا يجمعها إلا موسم الحج حيث تعرض فئات كثيرة من الحجاج بضائع بلدانهم في صورة نادرة . الأستاذ الدكتور عادل غباشي المتخصص في تاريخ وحضارة مكة يؤكد انه في الأزمنة القديمة كانت تباع أنواع العقيق والدر بدار الندوة ثم استمر في معروضاته بجانب المسعى ويُعرض فيه العطارة والسمن البلدي واستمرت معه أسواق المسفلة وسوق الليل ، واضاف ان الحج والعمرة يعدان سبباً رئيساً في ازدهار الحركة التجارية بمكة بالإضافة إلى الغربة والهجرة والقدوم إلى مكة تعزز الجد والنشاط التجاري ، وعن ابرز السلع التي كانت تباع اوضح ان الحناء والمواد الغذائية والجلود والمجوهرات كالذهب والفضة والأقمشة والكتب والأواني النحاسية والصرافة والمسابح هي اهم ما كان يتداول في اسواق مكه القديمة . واوضح ان الاسواق القديمة كان لها اسماء معينة مثل سويقة والشامية والقشاشية والحدادين والمعلاة والمدعى، والصاغة بالإضافة إلى أسواق في عرفة ومزدلفة ومنى أيام الحج بصفة مؤقتة وكانت تلك الأسواق رائجة باعتبار ما يُعرض فيها من صناعات حرفية كالحلي والعقود اللؤلؤية والأساور الذهبية والخواتم المحلاة بالأحجار الكريمة، وقد شجع ذلك وجود الأحجار الكريمة كالماس والزبرجد والياقوت واللؤلؤ .