من أحياء شعبية عتيقة تخترقها الأزقة الضيقة، تفوح منها رائحة العشوائية إلى مناطق حضارية لإسكان الحجاج، مرتبطة بأنفاق للمشاة، بداخلها سيور كهربائية تجاورها محطة للقطارات، وأخرى للمركبات تتناثر حولها بنايات فندقية شاهقة تركز على وسائل السلامة. هكذا ستحول مشاريع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أربعة أحياء شعبية، هي جرول والحجون والبياري والبيبان إلى عالم آخر مخضب بالتطور العمراني من كل جانب. على خريطة الأحياء الشعبية الشمالية لأم القرى يظل حي البياري واحدا من الأحياء الشعبية القديمة الواقعة شمال المنطقة المركزية، والذي احتضن جزءا من الإرث التاريخي المكي بكل ملامحه وطقوسه. 60 عاما عمر الحي المكي الموغل في القدم الذي أخذ شهرته من أنه ملتقى أهل مكة لبيع الأغنام والأبقار وحتى الحمير، إضافة إلى أنه ملتقى أهل بادية أم القرى لبيع الخضار والأعلاف التي تحمل من وادي فاطمة والريان وبني عمير وهدى الشام وعسفان، مما حول البياري لسوق رائجة لأكثر من 30 عاما. ويضم الحي أقدم محطات الوقود في مكةالمكرمة، وكان يحتضن أسواق الماشية والحمير فيما لا زالت أسواق الأعلاف والحبوب والطيور والبيض تضايق الحي المكي الشهير، والبياري يعتبر الحي الذي لا يعرف العمائر الجديدة، إذ 95 في المائة من مبانيه قديمة ويزيد عمرها عن 30 عاما إلا بقية مواقع على واجهة جسر الطريق الدائري تحولت لفنادق لإسكان الحجيج. ويستحضر سكان الحجون، الحي المكي الذي يشهد الآن متغيرات جديدة منها مشروع إنشاء النفق الجديد، وقفات ومحطات مهمة في تاريخ الحي الذي تفوح من أزقته بقايا روائح الماضي الجميل، إذ سجل النفق الجديد خطوة ثالثة في ربط الحي بمركزية مكةالمكرمة، بعد أن كان ارتفاع الجبل حائلا أمام العبور إلى داخل منطقة ما حول الحرم المكي. الحي احتضن أقدم جسور مكةالمكرمة والتي تم إنشاؤها في التسعينيات الهجرية، كما أن الحراك المعماري الجديد دفع الحجون لأول مرة منذ 70 عاما إلى مركزية جديدة تلامس ساحات الحرم المكي، إذ تمت إزالة 350 عقارا لصالح فتح نفق مهم يربط ساحات الحرم بأحد أهم الأحياء السكنية للمعتمرين والحجاج. عبد الله الثبيتي ممن أفنى عمره داخل الحي، ويرفض مغادرته يبدي تحسره على الماضي الجميل في الحجون، متذكرا مقاهي أبو رزق وعنيبر وجبران وحمودة وبن قبا والسيد علي وعبد الله مياه إضافة إلى قهوة السيد مساوا التي كانت ملتقى لأعيان وكبار ووجهاء الحجون، والتي كانت بكراسي فاخرة وجلسات زاهية، فيما كانت مظلة الفقراء قهوة حامد شلبي. ويشير الثبيتي إلى أن مقاهي الحجون لم تكن مجرد مقاه، بل أشبه بفنادق تتحول آخر الليل إلى أسرة نوم في الهواء الطلق، إذ تحتضن الغرباء وأهل البادية والمزارعين وأصحاب الماشية والحاجات ممن أجبرتهم ظروفهم على دخول مكة، إلا أن هذه المقاهي أزيلت تدريجيا حتى آخر مقهى في عام 1405ه. ويسترجع علي سالمين ذكريات أبرز المقار الحكومية في الحجون، مثل مقر المرور الذي كان بقيادة حامد أبو ناصر. كما يحتضن الحجون حي المدابغية التي تعد من أقدم الأحياء، وقام على أنقاض مجرزة قديمة كانت مكة لا تعرف غيرها، وتتميز بانتشار روائح أشجار العرعر والشبث مع روائح الجلود، فهو الحي الذي بني على هذه الصنعة المكية التي اندثرت ولم يعد لها أثر في مدينة عرفت بالتقاء الصناعات والثقافات كونها مظلة لقاء لكثير من الجاليات الإسلامية. ويمتد حي المدابغية الواقع ما بين جبل السيدة المطل على مقابر المعلاة، إلى كراج عبد الحليم على يمين النازل من طريق الحجون. ويرى عمدة الحي التاريخي أمجد خضري الذي يواجه أول توسعة منذ أكثر من 50 عاما، أن الإزالة الجديدة تعتبر الثانية في تاريخها. وتشير مصادر إلى أن الحي القديم كان يغلب عليه بناء الأكواخ، وهو ملتقى للمغاربة والتوانسة ممن عملوا في دباغة الجلود واستقروا في سكن الحي عن طريق الشراء من أبناء قبيلة لحيان. وطبقا لمصادر رسمية، فإن نسبة الإزالة في الحي بلغت 10 في المائة، وهي منطقة لعمائر خربة كانت مساكن للعمالة الوافدة، وأن 20 في المائة من المنازل المزالة عبارة عن بيوت مهجورة، في حين أن أغلب مساحات البيوت في الحجون لا تتجاوز ال 150 مترا، ومن بين العقارات المزالة مسجد سعيد عبد الحق الذي أنشئ قبل 55 عاما. وأوضح ل«عكاظ» المهندس عباس قطان من اللجنة المشرفة على توسعة الساحات الشمالية، أن فتح النفق لربط الساحات الشمالية للحرم المكي بأحياء الحجون، العتيبية، وحلقة البياري بطول يتراوح ما بين 1500 إلى 1700 متر ويربطهما نفق للطوارئ. وأشار إلى أن النفق سيخصص للمشاة المتجهين للحرم المكي، وسيتم بناء محطة خدمات ضخمة تضم مواقف للسيارات ومراكز الإدارة بطرق حديثة ومتطورة.