لقد كان يوم الجمعة يوم فرح لكل فرد في هذا الوطن بلا استثناء إذ إن كل مواطن قد نال حظاً وافراً من هذه الأوامر الملكية الكريمة، وهي أوامر سامية تستحق التقدير لملك يتملك القلوب، ويملأ المشاعر، وينال كل التأييد الصادق من شعبه كافة، شعب ثمن لمليكه حبه، وأخلص له في دعائه، وملك قدر لشعبه طيب وصادق مشاعره الفياضة. إن شعباً أصيلاً، وقيادة مخلصة حكيمة، كلاهما جدير بالتقدير والولاء، وهو اجتماع على حب خالص، ندعو الله أن يثبت هذا اللقاء الجامع للقيادة مع الشعب، ويفيض على وطننا الخير العميم، ويديم عليه نعمة الأمن، والاستقرار، والسلام. ** ** ** إنه مما صدر من هذه القرارات الملكية السامية ذات الأثر العظيم في حياة المجتمع السعودي هو ما يخص معالجة ظاهرة البطالة، وإنني أرى أن هذه القضية عندنا هي من صنعنا، والخروج منها سهل وبأيدينا. وحين يجتمع وزراء التجارة والصناعة، والعمل إلى رجال الأعمال للتأكيد عليهم - حسب توجيه خادم الحرمين الشريفين - القاضي بعزم الدولة على المسارعة الفاعلة والجادة في سعودة الوظائف؛ فإنني أرى أن مما يحقق سرعة توطين الوظائف وبشكل حاسم ويسير هو: 1- أن تكون التجارة كلها في جميع صورها بأيدي المواطنين عملاً وأداءً؛ فالبيع والشراء مهنة شريفة، مقدرة لها مكانتها الاجتماعية والإنسانية، لا غضاضة فيها؛ فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتاجر في مال أم المؤمنين السيدة خديجة - رضي الله عنها - وهكذا كان صحابته الأجلاء معظمهم عمل بالتجارة، وهو الذي كرّمها وقال (تسعة أعشار الرزق في التجارة ما أفلس تاجر صدوق). ** ** ** ومنذ تفتحت عيناي على الدنيا وأنا أعرف أن علية القوم، وكبارهم في مدننا وقرانا هم أرباب الأعمال، والعمل التجاري يزاولونه بأنفسهم إذ هي مهنة لا تحتاج إلى مهارة خاصة؛ بل إن أبناء المملكة كانت لهم ريادة في ميدان التجارة في الهند، وبلاد الرافدين، والشام، ومصر، وغيرها. أما الآن: ها هم أبناء الجنسيات المختلفة يملأون المحلات التجارية عندنا ويتصدرونها، ومعظمهم لا يتكلم لغتنا، بل قد يكون أمياً حتى في لغته. ومع هذا كله فإن الغرف التجارية السعودية تقوم بعمل مشكور، يتمثل في تدريب الشباب على أعمال التجارة، ولا تقصر في استيعاب أي عدد منهم يأتي طالباً هذه الخبرة إن احتاج إلى ذلك. ** ** ** إنني لشديد التعجب من هذا الانفجار الهائل في عدد وأنواع المحلات التجارية (الدكاكين)، وقد قلت مراراً على مسمع كثير من المسؤولين: إنه لا يوجد وطن على وجه البسيطة فيه عدد هائل من المحلات التجارية بالنسبة لعدد سكانه مثلما هي الحال عندنا. بل إن هناك كثيراً منها لا طائل من وجوده، إن لم يكن ضرره واضحاً، وصارت بلادنا مرمى لبضائع رديئة، سيئة الإنتاج. ولو أن هذا العدد الهائل من المحلات التجارية المختلفة أنشطتها - وأخص النافع منها - استوعب من يبحثون عن العمل بعددها ما بقي واحد من المواطنين دون عمل شريف. ** ** ** 2- ويلزم مع تحقيق ما سبق وضع حد أدنى للأجور يكفل للعامل السعودي حياة كريمة، لأن عزوف المواطنين عن هذه المهنة هو أن غير السعودي يقبل الأجر البسيط الزهيد إذ هو بالنسبة له مورد كبير، لكنه لا يكفي لحاجة أهل بلادنا، بل وصل الأمر إلى أن كثيراً من الأجانب الذين يعملون في هذه المحلات التجارية هم أصحابها الحقيقيون، وما السعودي إلا اسم لدى الجهات الرسمية مقابل مبلغ شهري لصاحب هذا الاسم، وهذا هو عين التستر، وهو غش قانوني مرفوض. ** ** ** 3- ويلزم أيضاً مع هذا تحديد ساعات العمل أسوة بالدول عامة في تنظيم هذا المجال، فلا يعقل أن تكون هذه المحلات التجارية على اختلاف صنوف بضائعها مستمرة في العمل لمنتصف الليل، بل ربما تمتد الحال إلى ما بعد ذلك، إلا في حالات خاصة مثل بعض الصيدليات والبقالات لتلبية حاجة الناس الضرورية الطارئة. ومثل هذا التنظيم يخفف الأعباء الأمنية، والخدمية، كاستهلاك الكهرباء، وازدحام الشوارع بالسائرين. 4- وفي هذا الصدد لقد سعدت بأن رأيت نموذج عمل بعض رجالنا في قيادة سيارات الأجرة، ونجاحهم فيه عمل طيب يبشر بالخير؛ فكثيراً ما تجد سائقاً سعودياً حسن المظهر، جميل الثقافة، يقود سيارته بإخلاص وأمانة ترضيك عنه، وبها يستحق احترامك له. فما أحرى أن ينخرط شبابنا الذين لا عمل لهم في مثل هذه المهنة الشريفة التي تدر عليهم رزقاً حلالاً طيباً، ولو اقتصرت قيادة سيارات الأجرة على المواطنين لكان ذلك خيراً كبيراً. ** ** ** وتحقيق هذا الذي أراه يتطلب الآتي: 1- لا تمنح رخصة جديدة لأي محل تجاري تجزئة كان أو جملة في كافة أنواع التجارة إلا إذا ضمن العمل فيها حقيقة بسعودي، على أن يطلب من المحلات القائمة تطبيق السعودة في غضون مدة لا تتعدى عاماً واحداً من إصدار هذا التنظيم. 2- وكذلك يشدد الأمر على تطبيق ما سبق أن صدر من مجلس الوزراء بخصوص سعودة جميع سائقي سيارة الأجرة. ** ** ** إن هناك تجربة عملية تثبت أن المواطن قادر على شغل كل وظيفة، وأداء كل عمل، وهي ما نقله لي أكثر من صديق كويتي قائلاً: إننا أيام الغزو العراقي للكويت، وهروب كل الأيدي العاملة غير الكويتية وجدنا أنفسنا - على الرغم من ترف عيش كثير منا - نقوم بكل الأعمال وبجدارة، فعمل بعضنا خبازاً، وآخر سباكاً، وكهربائياً، وعامل نظافة، نقوم بكل هذا بجدارة؛ وبارتياح دون تأفف من القيام بهذه المهن والأعمال. ونحن في مملكتنا - بحمد الله - آمنون، لكن لا مانع من الاستفادة بهذه التجربة العملية التي ثبت نجاحها. ** ** ** إن الدنيا بخير ما خلصت النوايا، وما حسنت التنظيمات، ولو أننا نفذنا ما أشرت إليه لوجدنا أبناءنا هم في كل المجالات يعملون، مثلما كان سابقونا؛ فلقد عشت أول حياتي وكانت كل الأعمال بأيدي أبناء وطني، بل إن مختلف المهن فرض كفاية على المجتمع، ولا خير في مجتمع كسول لا يأكل أهله من كدح جهدهم، وعرق جبينهم. ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.