افتتحوا مطعماً وباشروه بأنفسهم ولم ينتظروا الوظيفة أو الخوف من «ثقافة العيب» "أرحبوا.." كلمة الترحيب النجرانية المعروفة في بلد الآثار والتاريخ، يقابلك بها جميع العاملين في أحد المطاعم الخاصة، والذي تم افتتاحه مؤخراً، ابتسامة عريضة وصادقة تعتلي وجوههم المشرقة، ومع ذلك لا تندهش إلاّ عندما تدرك أن أغلب العاملين في هذا المطعم بدءاً من الكاشير ومروراً بمقدمي الطلبات وانتهاءٍ بغرفة العمليات النشطة - المطبخ -، جميعهم مواطنين، بل وشباب في عمر الزهور، تملأهم طاقة منقطعة النظير في تأدية عملهم."الرياض" زارت المطعم والتقت العاملين فيه. الفكرة مشتركة يقول "ماجد آل فاضل" أحد مؤسسي المشروع: إن الفكرة كانت مشتركة بيني وبين زميلي "جابر آل حمامة" ك"حل" و"طوق نجاة" من البطالة المزمنة التي يعيشها أشقاؤنا الذين يصغرونا سناً، والذين عجزوا عن إيجاد عمل دائم يكفل لهم مستقبلا واعدا، حيث قررنا دون علمهم افتتاح هذا المطعم بقروض شخصية على حسابنا، بعد أن عجزنا عن توفيرها عبر قنوات الدعم الحكومي التي تمول المشاريع الصغيرة؛ بسبب "البيروقراطية" التي تتسم بها، والتي تجعل الحصول على قرض منها شبه مستحيل، مضيفاً أنه بتوفيق من الله افتتحنا المطعم بشراكة أشقائنا العاطلين، وهم "حسين آل حمامة" و"حمد آل حمامة" و"حمد آل فاضل"، بوجوه يعلوها الحماس والنشاط، غير آبهين بالنمط السائد الذي يرفض مباشرة العمل الميداني داخل مشروعات المطاعم والنشاطات التجارية المشابهة لها، مشيراً إلى أن النتائج كانت إيجابية أكبر مما تصوروا. مذاق الأطباق أما "حسين آل حمامة" - محاسب المطعم - فتحدث قائلاً: إن زبائن المطعم معجبون بعمل الفريق وبالخدمة المقدمة، بالإضافة إلى إعجابهم بمذاق الأطباق التي تحتويها قائمة الأطعمة، مضيفاً أن من ضمن رواد المطعم كبار السن، حيث عبر أحدهم عن إعجابه بهذه الخطوة قائلاً: إنني لا أحب أكل المطاعم وأتجنبها منذ زمن طويل، لكن عند معرفتي بما فعلتموه، أتيت تشجيعاً ودعماً لكم، فأنتم مفخرة للجميع. تطورت كثيراً ووسط القلب النابض للمطعم، وفي وضع أشبه بخلية نحل، التقينا ب"الشيف" "حمد آل حمامة"، الذي أصر على تذوقنا لأحد الأطباق الهندية كنوع من الترحيب بنا، وعند سؤالنا له عن خبرته في الطبخ أجاب: أنها تطورت كثيراً بمجاورته أحد الطباخين "الهنود" المهرة، ليصبح متمكنا من إعداد الكثير من الأطباق العالمية، مبدياً سعادته بهذا العمل الذي لم يكن يوماً يتصور أنه سيمتهنه. الزميل آل شرية وحديث جانبي مع آل فاضل أحد مؤسسي المطعم مشاعر التشجيع وأثناء جولتنا في المطعم قابلنا "حمد آل فاضل" - مباشر الطلبات -، وهو شاب ذو وجه "بشوش" وطلبنا رأيه في عمله على خدمة الزبائن، وهل يتحرج من ذلك؟، فأجابنا بعفوية: أنه مرتاح في هذا العمل، وبخوض تجربة جديدة، فهي في النهاية عمل شريف يكفيه الحاجة للآخرين، وعن المواقف وردود أفعال الزبائن تجاه عمله هذا بحكم أنه أكثر المختلطين بهم قال: إن ردود الفعل ايجابية ولم أكن أتوقعها، بل ولمست من الجميع وقرأت في عيونهم مشاعر التشجيع والوقوف بجانبي ومؤازرتي لمواصلة العمل دون خجل أو تحفظ، وحول المواقف الطريفة، أوضح أن بعض الزبائن درجت على ألسنتهم لهجة التعامل مع الأجانب ممن لا يتقنون اللغة العربية، فينسى بعضهم كوني مواطنا، ويطلب بلهجة مكسرة ك"صديق جيب ..."، وعندما يدرك أنني من أبناء المنطقة يعيد صياغة السؤال باللهجة المحلية ويعتذر، ومع ذلك أعذرهم فنحن لم نتعود على رؤية أنفسنا في مثل هذه الأعمال. جوانب سلبية ولم تكن جميع ردود المجتمع إيجابية مع هؤلاء، بل كان هنالك جوانب سلبية رغم قلتها، ومنها ما ذكره لنا "جابر آل حمامة" من تخلي بعض أقاربه عنه وبعض أصدقائه، ولومهم له على هذه الخطوة التي يرون أنها عيباً ولا تناسبه. كما أخبرنا "ماجد آل فاضل" أنه تلقى بعض الرسائل المزعجة على جواله، والتي لم تؤثر في عزيمته، ومنها ما جاء نصها كالتالي: "عندنا صحون ممكن تجي تغسلها؟"، كما تحدث عن بعض المواقف المحرجة كأن يأتي إليه بعض أصدقائه لتناول إحدى الوجبات، وعندما يأتون لدفع الحساب يتحرج كثيراً أخذ شيء منهم، مضيفاً: "نحن نوجه رسالة للشباب لمن لديه الحلم والطموح والإمكانات والموهبة ونقولها بالفم المليان: العمل الشريف الذي يكفيكم الحاجة للآخرين لا تخجلوا منه". شعار الجميع وفي لوحة خلف المحاسب كتب فيها "لا للبطالة"، علق "ماجد آل فاضل": إنها شعار جميع العاملين في المطعم، فالبطالة داء لا يمكن معالجته إلا بالعمل وترك الكسل، معرباً عن فخره واعتزازه بالراحل "د.غازي القصيبي" - رحمه الله -، الذي يعتبره قدوة له ولجميع الشباب السعودي الطموح. كما عبر المواطنون "مانع آل ذيبان" و"عبد الله حسن" و"مانع آل دويس" و"حمد آل منصور"، وهم من زبائن المطعم، عن فخرهم بهذه الخطوة وتشجيعهم ودعمهم للقائمين عليها، واصفينها بالشجاعة، وفي ختام جولتنا عبر جميع العاملين بالمحل عن سعادتهم الغامرة بشفاء خادم الحرمين الشريفين، متمنين عودته سالماً غانماً لأرض الوطن.