عقدت في العاصمة الهندية نيودلهي قمة روسية هندية، في 21 كانون الأول ديسمبر 2010، تناولت قضايا ثنائية ودولية، وهيمنت عليها مشاريع التعاون العسكري والطاقة النووية. والتقى الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، برئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ في ظرف حساس للعلاقات الثنائية، حيث بدت تواجه نمطاً جديداً من التحديات، يتمثل في سعي نيودلهي لتطوير روابطها بالغرب، وخاصة الولاياتالمتحدة، التي أخذت العلاقة معها تكتسي طابعاً إستراتيجياً. بالنسبة للروس، لم تعد الهند ساحة نفوذ سهل، على النحو الذي كان سائداً إبان الحرب الباردة، عندما كان الاتحاد السوفياتي حليف أمر واقع دون منازع، لدولة مصنفة على أنها رائدة عدم الانحياز في العالم. في جوهرها، كانت سياسة عدم الانحياز بالنسبة للهند تعني الابتعاد عن الغرب سياسياً واقتصادياً، واعتماد اقتصاد موجه، قريباً من نماذج أوروبا الشرقية، وإن لم يصل إليها. وكان عدم الانحياز يترجم هندياً أيضاً بموازنة الحضور الأميركي في باكستان بروابط دفاعية مع الاتحاد السوفياتي، تجارية الشكل، لكنها إستراتيجية المضمون. التكوين الجيوسياسي للعلاقات الهندية الروسية اهتز، أو مال بشدة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وسقوط الثنائية القطبية، وانتهاء الحرب الباردة، وأدرك المعنيون في كل من الهند وروسيا أن مشهداً جديداً، ونمطاً مستجداً من الحسابات، قد بدا يفرض نفسه على مقاربة العلاقة بين البلدين. وعنت هذه السياسة، من جهة ثالثة، الاقتراب من السوفيات لموازنة الصين، التي دخلت الهند في عداء مديد معها. هذا التكوين الجيوسياسي للعلاقات الهندية الروسية اهتز، أو مال بشدة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وسقوط الثنائية القطبية، وانتهاء الحرب الباردة. لقد أدرك المعنيون في كل من الهند وروسيا أن مشهداً جديداً، ونمطاً مستجداً من الحسابات، قد بدا يفرض نفسه على مقاربة العلاقة بين البلدين. في المشهد الجديد، بدت سيولة سياسية وافرة أمام الهند، وبدا هامش المناورة عريضاً وشديداً في إغراءاته. وهنا، ذهب الهنود غرباً، نحو واشنطن والعواصم الأوروبية عامة، وعززوا ذلك بنسق جديد من الروابط مع استراليا واليابان. ومن بين الدول الغربية كافة، كانت الولاياتالمتحدة الأكثر سرعة في التقاط جوهر المتغيّر الهندي ، أو لنقل متغيّر البيئة الجيوسياسية المحددة لخيارات الهند الدولية، والبناء عليه. انطلاقاً من ذلك، بدأ الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، مشواراً تاريخياً نحو نيودلهي، تُوّج في عهد الرئيس جورج بوش الابن باتفاقية التعاون النووي المدني بين الهند والولاياتالمتحدة، التي عنت الكثير بالمعايير السياسية والإستراتيجية. وصوّبت واشنطن عينها على سوق الدفاع الهندي، الواسع والمتنامي باضطراد، ودخلت في اتفاقيات دفاعية مع نيودلهي، كما حصلت الشركات الأميركية على قسط من واردات الدفاع الهندية. اليوم، ثمة تنافس أميركي روسي متعدد الأوجه في الساحة الهندية، يطال سوق الدفاع والطاقة النووية بالدرجة الأساسية. وبالعودة للقمة الهندية الروسية سابقة الذكر، فقد جرى التوقيع خلال القمة على عدد من الاتفاقات في مجالات النفط والغاز، والطاقة النووية، وتكنولوجيا المعلومات. وأعلنت الهند عن استعدادها لتوفير موقع ثالث لروسيا لبناء مفاعلات نووية. وقال مسؤول روسي، إنه طبقاً للخطط القائمة، سوف يجري بناء ما لا يقل عن 18 مفاعلاً في المواقع الثلاثة، بواقع 6 إلى 8 مفاعلات لكل موقع. على الصعيد العسكري، جرى التوقيع على اتفاقية خاصة بإنتاج النموذج الهندي من طائرة الجيل الخامس الحربية الروسية (T - 50). وتنص الاتفاقية على تغطية الطرف الهندي لنفقات التصميم الهندسي لطائرة ذات مقعدين من هذه المقاتلة. وقال المدير العام لشركة "سوخوي" الروسية المصنعة إن القوات الجوية الروسية سوف تشتري 150 طائرة من مقاتلات (T - 50)، اعتباراً من العام 2015، فيما ستشتري الهند حوالي 200 طائرة. ويتوقع أن تباع مقاتلة (T - 50) بسعر يتراوح بين 80 إلى 100 مليون دولار. وتعتبر هذه المقاتلة أول طائرة حربية يجري تصميمها وإنتاجها بالكامل في روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. ولا ينظر إلى طائرات الجيل الخامس على أنها طائرات مقاتلة بحد ذاتها، بل عبارة عن مجموعة من الوسائل التي توفر مستوى جديداً للإمكانيات القتالية. ولذا يجري تجهيزها بأحدث أنواع الأسلحة، وأجهزة الاتصال، وأنظمة التحكم والقيادة. ويُفترض أن تكون طائرة الجيل الخامس قادرة على إنجاز جملة مهام قتالية، من بينها تدمير الأهداف على الأرض، والاشتباك بالطائرات في الجو، وإسناد القوات البرية، والعمل كطائرة استطلاع. ويُفترض في هذه الطائرة العمل بمحرك يُمكّنها من التحليق لمدة طويلة، وبسرعة تتجاوز سرعة الصوت. كما يفترض أن تكون عصية على الرادار، أي مزودة بتقنية (Stealth). ويجب أن تكون نسبة الدفع إلى وزن الطائرة مرتفعة في مقاتلة الجيل الخامس. وأن تكون هذه المقاتلة ذات قدرة على المناورة، تمكنها من تحمل أقسى الظروف المحتمل مواجهتها في ساحة المعركة. ويجب أن تكون قادرة على حمل وزن كبير من القنابل في داخلها، ليجري وصفها بالقاذفة الممتازة، لأنه إذا تم تحميلها مزيداً من القنابل في نقاط التعليق على الجناح، فلن تعود قادرة على التخفي عن الرادار، أي أنها لن تكون "طائرة شبح". ولا بد أن تكون مقاتلة الجيل الخامس قادرة أيضاً على مقاومة نيران مضادات الطائرات، كي تستطيع توفير الدعم المطلوب للقوات البرية، ولذا يجب أن لا تكون سرعتها عالية جداً. وقد ظلت روسيا، على مدى عقود من الزمن، مصدر التسليح الرئيسي للهند. وهي لا تزال تسيطر على نصف السوق الهندية، كحد أدنى. وجاءت الهند في المرتبة الأولى بين أكبر مستوردي الأسلحة الروسية في العام 2007، متفوقةً لأول مرة على الصين. وتقدر قيمة الصادرات العسكرية الروسية إلى الهند خلال الفترة بين 2002 – 2009، بتسعة مليارات و874 مليون دولار. وهو ما يعادل 22.5% من إجمالي حجم الصادرات العسكرية الروسية. وتحتل الهند حالياً المركز العاشر على المستوى العالمي من حيث الإنفاق على الدفاع. وهي تعتزم شراء أسلحة ومعدات عسكرية جديدة تبلغ قيمتها حوالي 30 مليار دولار، وذلك خلال الفترة من 2007 إلى 2011. والمناقصة الأهم المطروحة حالياً من قبل الهند هي تلك المتعلقة بشراء 120 مقاتلة متوسطة المدى لسلاحها الجوي.وتتنافس على هذه المناقصة شركات"بوينغ (بالمقاتلة F/A - 18 Super Hornet) وLokheed Martin (بالمقاتلة F-16) وEADS (بالمقاتلةEurofighter Typhoon ) وشركة "SAAB" السويدية (المقاتلة Gripen)، وشركة ميغ الروسية المقاتلة ( Mig – 30)،إضافة إلى مقاتلات (Rafale) الفرنسية. وتمثل هذه المناقصة في حقيقتها مسابقة بين منتجي الطائرات الحربية في العالم. وسيحصل الفائز فيها على مردود ايجابي في الأسواق الأخرى. وكان سلاح الجو الهندي قد حصل في 28 أيار مايو 2009، على أول طائرة مزودة بنظام إنذار ومراقبة محمول جواً، من أصل ثلاث طائرات قررت الهند شراءها. وهي في الأصل طائرات نقل عسكري روسية، تم تجهيزها بأنظمة خاصة للاتصال والقيادة.وقامت شركة إسرائيلية بتزويدها برادار من طراز فالكون. وعلى الرغم من ذلك، لن تمتلك الهند بهذه الطائرات أية ميزة نسبية على باكستان على هذا الصعيد.وبلحاظ مساحتها التي تتجاوز ثلاثة ملايين ومائتين ألف كيلومتر مربع،وحدودها البالغة 14 ألف كيلومتر، وسواحلها التي تمتد على سبعة آلاف كيلومتر، فإن ما تعاقدت عليه الهند من طائرات الإنذار والمراقبة يبقى بعيداً عن تلبية احتياجاتها الفعلية. وكانت باكستان قد أعلنت بدورها، في التاسع من كانون الأول ديسمبر 2009، عن استلام أول طائرة مزودة بنظام إنذار ومراقبة محمول جواً (أواكس)، من أصل أربع طائرات تم التعاقد عليها مع السويد. وهي من طراز(ساب-2000 أواكس).وأضحت باكستان بذلك الدولة التاسعة في العالم التي تمتلك مثل هذا النظام الجوي. وفي الوقت الراهن، تمثل القوة الجوية، بالنسبة لباكستان، إحدى تحديات بناء توازن شامل مع الهند.وتحول الصعوبات المالية دون النهوض بمهمة بناء هذه القوة. وقد قررت إسلام آباد تقليص مشترياتها من مقاتلات(F-16)، بعد تحليل إمكانياتها المالية.وكانت قيمة الصفقة الأصلية تفوق الخمسة مليارات دولار.وتضمنت 36 مقاتلة من (F-16)،قيمتها ثلاثة مليارات دولار، تضاف إليها قيمة السلاح وقطع الغيار اللازمة لهذه الطائرات.فضلاً عن تحديث طائرات (F – 16 AB)، التي اشترتها باكستان في ثمانينيات القرن الماضي. وقد انتهت باكستان لإقرار 18 مقاتلة من (F-16)، أي نصف الرقم الأصلي. وأياً يكن الأمر، فإنه فيما يرتبط بالعلاقات الهندية الروسية، فإن التعاون العسكري سيبقى البعد الأهم في هذه العلاقات على المدى المنظور.