تمتد بحيرة الصرف الصحي شرق جدة على مساحة واسعة، مما يسبب مصدر قلق وتهديد لحياة وصحة سكان الأحياء الواقعة بقربها، وبدأت صب مياه الصرف الصحي في هذه البحيرة منذ أكثر من ثلاثين عاما، بسبب غياب وعدم تنفيذ شبكة الصرف الصحي في (90%) من أحياء المدينة، حتى أصبحت اليوم تختزن ملايين الأطنان من المياه الملوثة، وتسببت السيول الأخيرة التي دمرت عدداً من الأحياء شرق جدة وتسببت في وفاة أكثر من (125) من سكانها في ارتفاع وتيرة الخوف من حدوث كارثة أكبر لو انفجرت مياه بحيرة الصرف الصحي وغمرت الأحياء، عندها لا يمكن أن تخيل الكارثة ولكنها ستكون فوق التصور. الخطأ منذ البداية يؤكد العديد من السكان القدامى والعارفين بطبيعة المنطقة الجغرافية على أن اختيار شرق جدة ليكون مصبا لمياه الصرف الصحي لم يكن موفقا، لأن مجاري المياه وعروق الأودية تمتد من الشرق إلى الغرب، أي من الجبال التي تتركز شرق جدة الى البحر غرباً، وهذا الوضع على مدى العشرين عاما الماضية هو الذي ساهم في تشبع الأرض بالمياه الجوفية وارتفاعها بشكل ساهم في الإضرار بالبنية التحتية للمدينة والمساكن، وبالتالي رفع كلفة المعالجات لهذه المشكلة بعد استفحالها، وتشبع الأرض إلى درجة أدت إلى ظهور المستنقعات في بعض الأحياء وإحداث الكثير من الانهيارات الأرضية في أماكن متعددة. وأكد عايد الرفاعي (من سكان جدة القدامى) أن المفروض أن تكون هذه البحيرة في شمال جدة، أو أن يتم ضخها عبر أنابيب كبيرة إلى المناطق الصحراوية شمالاً بين ذهبان وعسفان وثول وبشكل مجدول، بحيث لاتتشكل منه بحيرة دائمة أخرى ويستفاد منها في تكوين مناطق نباتية. السيول تخلف أسماك ويخشى الكثير من سكان الأحياء القريبة من بحيرة الصرف الصحي من فيضانات جديدة لو انهارت السدود القائمة على البحيرة، فإذا سالت مياهها فإنها ستغمر الأحياء القريبة منها بارتفاع ستة أمتار على أقل تقدير، مبتلعة جميع مساكن هذه الأحياء بمن فيها. وعبر الكثير من السكان في تلك الأحياء عن غضبهم من هذا التراخي والبطء والتسويف في معالجة مشكلة البحيرة طوال الأعوام الماضية، حتى وصلت الأمور لماهي عليه الآن، رغم أن الدولة لم تقصر ورصدت مبالغ مالية كبيرة لتخليص سكان جدة من هذه البحيرة خلال السنوات الماضية، ولكن تلك الأموال ضاعت ولم يتحقق من ورائها نتيجة. وذهب بعض السكان في الأحياء المنكوبة بعد سيل الأربعاء الحزين في الثامن من ذي الحجة 1431ه إلي القول بأنهم يشكون في أن تكون المياه التي دمرت بيوتنا وذهب ضحيتها الكثير من الأسر ناتجة عن السيل وربما خالطها شيء من بحيرة الصرف لأن رائحة السيل كانت كريهة، ورغم تأكيد الأهالي على ذلك إلا أن الأمانة تنفي تسرب شيء من مياه البحيرة، رغم أن البعض وجد أسماكا في بعض البحيرات التي تكونت من السيل، وهو الأمر الذي يقوي الشكوك بأن المياه التي غمرت تلك الأحياء فيها شيء من بحيرة الصرف. ويتساءل أهالي جدة هل سيكون هناك حل جذري ونهائي لمشكلة بحيرة الصرف الصحي، ينهي خطرها الجاثم على صدر جدة بعد أن أتضح للجميع حجم ذلك التهديد أم أن المشكلة ستبقى سنوات أخرى بلا حل. د.علي عدنان عشقي استاذ علوم البيئة في جامعة الملك عبد العزيز يؤكد على خطر بحيرة الصرف الصحي بوضعها القائم الآن، موضحا أنه لا يتفق مع الحلول التي وضعتها أمانة جدة في هذا الشأن حيث إنها لا ترتكز على أي قاعدة علمية، وماهي إلا ترحيل للمشكلة من منطقة إلى أخرى وإهدار للوقت والمال العام. وبين د.فدعق بأنه قدم دراسة في وقت سابق إلى المجلس البلدي توضح الحل العملي لمشكلة بحيرة الصرف الصحي، وهو معالجتها بالطريقة الطبيعية (wsp) التي تطبق الآن في جميع دول العالم النامية والمتقدمة، والتي تعتمد في د. علي عشقي أساسها على العلاقة التكافلية الفريدة بين الطحالب والبكتيريا متباينة التغذية، المتواجدة أساسا في مياه الصرف الصحي، مؤكدا على أن هذه الطريقة تمثل الخيار الإستراتيجي الوحيد لمعالجة مياه الصرف الصحي، ليس في مدينة جدة فقط، بل جميع مدن وقرى المملكة، ذلك لما تتميز به هذه الطريقة من مميزات من أهمها: 1-ملأمتها الفريدة مع ظروفنا البيئة، فسرعة التفاعلات الحيوية فيها تعتمد على درجة حرارة الجو وشدة الإضاءة. 2-رخص قيمة تصميمها وإنشائها. 3-تكلفة الصيانة فيها منخفضة جدا. 4-لاتعتمد على أي أجهزة ميكانيكية أو كهربائية. 5-كفاءتها العالية في المعالجة الثلاثية. 6-فترة صلاحيتها قد تصل إلى أكثر من (50)عام. 7-المنتج النهائي من المياه المعالجة له قيمة اقتصادية، أضف إلى ذلك قيمتها في مكافحة التصحر والتخفيف من الاحتطاب على الأشجار الطبيعية. وأكد د.عشقي على أن هذه الدراسة رفعت للأمانة، إلا أنه لم يتلق أي ردة فعل عليها، ويبدو أنها حفظت في أدراج من وصلت إليهم في الأمانة ولم يعرها أحد أي اهتمام. خلطها مع البحر "كارثة" وأشار د.عشقي إلى أن مياه الصرف الصحي وبحيرتها أصبحت تمثل تحديا خطيرا لجميع النظم البيئية في مدينة جدة، ففضاء المدينة أصبح يعج بالغازات السامة المنبعثة من هذه المياه، ومن الغريب أن المسؤولون يبحثون دائما عن الحلول المؤقتة والسهلة، والتي عادة مايكون لها نتائج مدمرة على النظم البيئية، والمثال على ذلك كمية مياه الصرف الصحي التي تقدر بمئات الآلاف من الأطنان تقذف يوميا على سواحل جدة، ولذلك يجب وقف تصريف مياه الصرف الصحي إلى البحر، لأن هذا يعتبر تدمير للكائنات الحية في سواحلنا. وطالب سمير باخذلق من وكالة شئون التنمية المستدامة في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بوقف صب مياه الصرف الصحي في البحر، مشيرا إلى أن سواحل جدة قد تعرضت لتدمير شديد بسبب هذه المياه، وتلوث خطير قضى على كائناتها الحية وجعل حتى مجرد السباحة فيها خطر كبير. بحيرة الصرف الصحي خطر يهدد سكان أحياء شرق جدة (عدسة - محسن سالم) مشروع الصرف الصحي قال المهندس علي مراد رضا إن مشكلة جدة لن تنتهي إلا إذا تم استكمال شبكة الصرف الصحي، التي لا نعلم متى يتم استكمالها رغم عمليات الحفر والدفن التي تملأ شوارع جدة منذ عدة سنوات، والتي لا نعلم هل تتم وفق المعايير السليمة أم لا. وأوضح المهندس مراد أنه يتحدث عن مشاريع الصرف الصحي من خلال خبرته وتخصصه في هذا المجال، والتي تمتد لأكثر من ثلاثين عاما، حيث قال: قمت بالإشراف على مشاريع الصرف الصحي السابقة بجدة، ولكنني في نهاية العقد رفضت محاولات مصلحة الصرف الصحي والأمانة في تعديل أحجام غرف التفتيش، مما أدى إلى إنهاء عقدنا معهم بحجة أن المقاولين لا يستطيعون تحمل مصاريف الاستشاري، وهو في الواقع رغبة في التخلص مني لأنني لم أكن على هواهم وقد نتج عن ذلك خللا كبيرا عانت منها الشبكة بعد ذلك. وأشار إلى أن مشكلة جدة مع الصرف الصحي لن تنتهي إلا بعد استكمال شبكة الصرف الصحي وتنفيذها على المستوى المطلوب، وقال وإن كنت أشك في ذلك، لأن ما أراه لا يطمئن ويجعلني أخشى أن تضيع المبالغ الطائلة التي رصدت لهذه الشبكة بلا فائدة، وأرجو أن أكون مخطئا لأنه حتى اليوم، ورغم مرور فترة طويلة على البدء في تنفيذ الشبكة لم يتم ربط أي منطقة بها، وهذا يعني أن التنفيذ غير سليم. م. علي رضا وأوضح إن السماح بتكدس المياة في بحيرة الصرف الصحي "جريمة لا تغتفر أبدا"، مضيفاً: "طبعا الفكرة أتت لعدم وجود شبكة صرف صحي في المدينة تغطي جميع أحياءها، فوجد أن هذه البحيرة حل سهل، دون التفكير فيما ستسببه من خطر على المدى البعيد والقريب، وهو ماتعاني منه المدينة اليوم ويهددها بأضرار ليس لها حصر، وهذه المشكلة نشأت من مكابرة بعض المسئولين في الإدارات المعنية بالخدمة، واعتقادهم بأنهم عباقرة وأن أراءهم غير قابلة للنقاش أو النقد وهذا مايؤدي لوقوعنا في الكثير من الأخطاء التي يصبح علاجها مكلفا ونتائجها ضارة". وقال إن ضخ مياه البحيرة الملوثة للبحر للتخفيف من زيادتها في الموقع يعني نقل التلوث إلى البحر، وتسميم الأحياء المائية وقتل الشعب المرجانية، وهي الثروة البيئية التي لا تعوض أبدا، وهذا ليس الحل الصحيح، وهو امتداد للأخطاء القاتلة التي نتجت عن وجود هذه البحيرة، و يجب عدم السماح به، حتى لا نعالج مشكلة بمشكلة أسوأ منها، لأن ما أسمعه اليوم من محاولات لضخ مياه البحيرة إلى البحر عبر عدد من الأنابيب ينذر بخطر كبير يضاف إلى ما أصبحت تعانيه سواحل جدة من تلوث جعلها من أكثر سواحل العالم تلوثا، بعد أن كانت في يوم من الأيام من أكثر سواحل العالم نقاء ونظافة.