هاتان قصتان أخريان من قصص مدارس القيادة، واحدة من جدة وواحدة من الرياض. وهما تعطيانا صوراً أخرى من الداخل حول أحد أسباب تدني مستوى القيادة لدينا، وأحد مفسرات سبب قرب دخولنا سجل غينيس للأرقام القياسية في عدد قتلى وجرحى ومعاقي الحوادث المرورية، هذا مع أن كثيراً من الحوادث لا تُسجل لتمكن سائق آخر من تفادي الحادث في لحظة رحمة من الله، هذا فضلاً عن قصص العنصرية التي أشرت إليها في مقالي السابق. وهذه قصة يرويها عبدالرحمن عن أخيه مع مدرسة تعليم القيادة من جدة فيقول: "أود أن أزيدك من الشعر بيتاً، لي أخ أصغر يجيد استخدام السياره - طبعا لا تسأليني كيف و متى- و لكن أبيت عليه إلا أن يذهب إلى مدرسة ليتعلم فيها القيادة، وأن يطبّق نظام الدولة من ناحية التأمين و الرخصة ومن ثَم يحق له أن يقود وأن يشتري سيارة، وفي كل يوم نتبادل أطراف الحديث حول المدرسة وعن ماذا درس وماذا تعلم، وإذا بي أسمع العجب : ماهو الدينمو ؟ كيف شكله ؟ "من تفاصيل ميكانيكية لا تتصل بإصلاح السيارة وطوارئها"، ولكن مالفت انتباهي أكثر أن أخي الصغير يسألني و يقول لماذا يكرهون غير السعوديين مثل الباكستانيين والهنود ...الخ ؟ سألته كيف ؟ قال اليوم أخطأ أحد المتدربين من أحد الجنسيات سابقة الذكر ونحن في حصة التدريب خطأ عادياً بالنسبة لطالب تحت التدريب وإذا بالمدرب يخرجه خارج السيارة ويعطيه "كف" و سكت أخي برهه وقال: كنت أود أن أتضارب مع المدرب، ولكن تمالكت أعصابي، والمصيبة أن المدرب من أبناء الوطن، وكان بجانبي شاب سعودي لطيف، يقول:"خليه يستاهل ... هذا " يقول أخي لو قُدِّر لي الذهاب الى الهند لأتعلم القيادة عندهم فماذا سيفعلون بي ؟؟". أما قصة عبدالله دندشي من الرياض التي بلغت ثلاث صفحات فمن الصعب اختصارها ولعلي سوف آخذ بعض أجزائها وسوف أعرض الباقي في مناسبة أخرى. فيذكر أنه سجل لدى مدرسة تعليم القيادة في دورة مكثفة مدتها ستة أسابيع، ثلاث ساعات يومياً، وهو ما لايفعله الغالبية. مضى الأسبوع الأول في عرض فيلم يعود إلى السبعينيات، وتعليقات المدرب المصري عليه كانت تعليقات عنصرية على الطلبة السودانيين وطلبة جنوب آسيا. الأسبوعان الثاني والثالث مضيا في تناوب السياقة بين الطلبة بحيث كان نصيب كل طالب عشر دقائق في القيادة قرب المدرسة في شوارع غير مضاءة. وخلال هذه الفترة لم يحصل المتدربون على أي نصيحة وكل ما كان يقوم به المدرب هو طلب "شرهات" (مثل استخدام الجوال، المساعدة في الحصول على اختبار طبي، ومن القارئ طلب منه برامج كمبيوتر). بين السادسة والتاسعة مساء لم تتجاوز مدة التدريب عشرين دقيقة. في الأسابيع التالية أخذوا بعض الدروس في الصفّ بين سيارتين والرجوع إلى الوراء ثم حُدد تاريخ الاختبار. طيلة مدة التدريب لم يُشر المدرب ولا مرة إلى النقطة العمياء ال Blind spot، أو إلى ضرورة ترك مسافة بين سيارتي والسيارة أمامي، أو ما هي انوار الطوارئ، ولا مرة قمت بالدوران والرجوع في الشارع U-turn، ولا مرة سقنا فيما فوق الجيرgear الثالث. تناولت في الدروس النظرية وسائل صيانة السيارة، ولم يكن هناك أي مدرب قادر على التحدث بالانجليزية للشرح للسائقين الهنود أو الفلبينيين، فلم يفهموا شيئاً. وهكذا دخلنا الامتحان حيث يركب خمسة متدربين في السيارة التي لا تسع إلا أربعة مع الممتحن. ولحسن الحظ أننا لم ننجح جميعاً فلم يكن أي منا مؤهلاً لقيادة سيارة حقيقية. فسجلت في أسبوعين آخرين حيث كانت الدراسة أفضل بعض الشيء فتعلمنا كيف نسوق في شوارع المدرسة الوهمية والوقوف عند إشاراتها وعلاماتها. وقد نُصحنا بأن نأخذ دروساً إضافية خارج المدرسة بأن نستأجر سيارة، وهي نصيحة غريبة فكيف يمكن لمن ليس لديه رخصة أن يستأجر سيارة وكيف يسوقها بدون مرشد معه؟ وجاء يوم الامتحان الذي كان أسوأ ما مر خلال الثمانية أسابيع الماضية حيث إن الممتحن كان مستعجلاً فيريد أن ينتهي من اليوم مبكراً فطلب من كل طالب أن يسوق مدة عشر ثوان فقط. وفي حالتي عندما وصلت إلى المقود لم تقم السيارة وتحت تذمر المختبر أخذ يملي عليّ ما أفعله وأنا أطيع، دون أن يدقق في أمور مثل حزام السيارة أو كيف أنظر في المرآة والنقطة العمياء وغيرها. وضعت السيارة على الجير الأول ثم الثاني وسقت خمس عشرة ثانية طلب مني الممتحن بعدها الدخول إلى سور المدرسة حيث أن الاختبار كان يجري في الشارع الذي تقع عليه المدرسة. ونجحت. ولا أخفيك ما كان من صعوبة الشهور الأولى التي كدت أن أتسبب خلالها في حوادث لكن الله سلم. في الواقع لم تكن المدرسة حريصة على تدريبنا على قوانين السلامة لا المدربين ولا الممتحنين وكان الطلاب ينظرون إلى الدروس والاختبار كتحصيل حاصل يريدون المرور فقط كأي اختبار مدرسي آخر. وفي الواقع فإن معظم الطلبة لا يأخذون الكورس المكثف الذي أخذته وإنما يقتصرون على أسبوع أو أسبوعين، وكثيرون بناء على الواسطة لا يحتاجون لأي كورس نهائياً". وسلّمكم الله.. @ لم أسمع من أي مسؤول عن هذه المدارس حتى الآن. @ مؤرخة وكاتبة سعودية