تبدأ الرواية بأسلوب صاعق.. رجل يقود سيارته ويتوقف عند إشارة المرور متأملاً الناس الذين يسيرون في الشارع ثم فجأة يصاب بالعمى، ولم يعد يرى شيئاً، ليصرخ من أعماقه: لقد عُميت. ووسط دهشته من حالة العمى المفاجئ التي اخترقت عينيه، يذهب الرجل المفجوع إلى عيادة طبيب مشهور، ومن هناك يدرك أن حالته غريبة وليس لها أي تفسير طبي، ويدرك أيضاً، لكن بعد فوات الأوان، أنه كان الأول في مسيرة "وباء العمى" الذي اجتاح البلاد كلها. صدرت الرواية عام 1995للروائي البرتغالي خوزيه ساراماغو الحائز على جائزة نوبل للآداب. وقد كتبها وهو في سن الثالثة والسبعين بعد رحلة طويلة مع الكتابة الصحفية والأدبية قدم خلالها روايات مهمة مثل "سنة موت ريكاردوريس" و"كل الأسماء" و"قصة حصار لشبونة". في رواية "العمى" يفعل ساراماغو مثل الذي فعله الروائي الفرنسي ألبير كامو في رواية "الطاعون" حيث يضع البشر في مواجهة كارثة عظيمة ويبدأ النظر في أفكارهم بحثاً عما يمكن أن يبقى من إنسانيتهم. لكنه لا يحلل الأسباب ولا يشرح الدوافع مثل "كامو" بل يميل إلى تصوير رحلة المجموعة الأولى من العميان أثناء عزلهم في محجر صحي هو أشبه بالجحيم وإلى خروجهم منه ورحلة بحثهم عن منازلهم التي لا يمكنهم الوصول إليها لسبب بسيط أنهم لا يرون. وهكذا يستمر في وصف حركة العميان ولا يضع تفسيراً لهذا العمى المفاجئ الذي أصاب الجميع عدا امرأة واحدة إلا في آخر أربعة أسطر من الرواية في نهاية هي من أعظم النهايات الروائية لأنها تشرح كل شيء وتقدم معنى فلسفياً ميتافيزيقياً لهذا الوباء الكاسح. الرواية تم تحويلها للسينما في فيلم يحمل نفس الاسم أنتج هذه السنة وبدأ عرضه في افتتاح الدورة الماضية لمهرجان كان السينمائي. وهو للمخرج البرازيلي فيرناندو ميريلس صاحب فيلم (مدينة الإله-City of God). وتلعب بطولته النجمة الأمريكية جوليان مور مع مارك روفالو والممثل المكسيكي غييل غارسيا بيرنال.