إننا لا نتحدث عن تاريخ العلاقة بين الطرفين، وإنما عما يحدث اليوم بين القارة الفاقدة للبوصلة الثقافية أوروبا والعالم الإسلامي الضعيف المنقسم. أوروبا اليوم في حالة من الإنكار النفسي عن مدى التغيير الثقافي والاجتماعي الذي يحدث في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية؛ حيث إن المحافظين والمتشددين والعنصريين الأوروبيين هم الأكثر رفضاً للواقع الجديد، فبدلاً من الانعكاف على حل المعضلات الذاتية لهم أصبحوا يهاجمون الآخرين سواء المسلمين داخل أوروبا أو خارجها عبر أساليب وطرق لا تليق بأي حضارة. لقد فشلت أوروبا بالتعامل مع الواقع الحقيقي لها في ظل هيمنة أمريكية على القارة ومنافسة قادمة من الصين وآسيا ومواطن أوروبي يطالب بما لا تستطيع الحكومات الأوروبية تلبيته على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، فقد تمثل ذلك في عرض المعهد البلجيكي للعلاقات الدولية في بروكسل لكتاب قام عدد من الخبراء والسياسيين الأوروبيين والبلجيكيين بإعداده حول ما أسموه "الجهاد الإرهابي وتحديات التشدد في أوروبا" حيث أشرف على الكتاب الباحث البلجيكي المتخصص في الشؤون الإسلامية من جامعة غانت (ريك كولزات)؛ فقد ذهب مؤلفو الكتاب إلى أن المعتقد والأيدلوجية لا يعتبران حاسمين في خيارات العناصر الإرهابية حسب تعبيرهم ولكن الشعور بالحرمان والإحباط والوسط الاجتماعي تعتبر هي المحرك الرئيسي لهم. وذكر المشرف على الكتاب أن البيئة والمناخ المحلي يلعبان دوراً مهماً في بناء شخصية العنصر المتطرفة، وأن العنصر الديني يعتبر ثانوياً، ومن هنا فإن على أوروبا التركيز على تجنب الفوارق الاجتماعية ومسببات الحرمان والدفع بالاندماج الفعلي للرعايا المسلمين وتجنب القولبة المبيتة وتصنيفهم في خانة المرفوضين اجتماعياً وثقافياً. لقد حان الوقت لأوروبا أن تواجه معضلاتها الثقافية وأن تختار البُعد الثقافي والإنساني وروح التسامح مع ثقافات وديانات العالم، وأن تدفن ذكريات التعصب التي ما تلبث أن تظهر من وقت إلى آخر منذ عهد الحروب الصليبية إلى اليوم، سواء التطرف العسكري أو السياسي أو ما تشهده الدنمارك اليوم من تطرف وعنصرية ثقافية.