لم يسمع العالم بقبائل التوتسي الأفريقية إلا بعد المذابح البشعة التي جرت في رواندا وبروندي في عقد التسعينيات .. ولكن هذه القبائل كانت معروفة - قبل ذلك - بصفتها صاحبة القامة الأطول بين كافة البشر .. فمتوسط الطول في قبائل التوتسي يبلغ حاليا 183سم ويتجاوز معظم الذكور (المترين) بعد سن البلوغ .. والغريب أكثر أن نساء التوتسي أصبحن - في الأجيال الأخيرة - في مستوى معظم الرجال هناك . وهذا بحد ذاته قد يعطينا لمحة عما سيحدث مستقبلا لشعوب أخرى كثيرة كون الأنثى البشرية تقل عادة عن الرجل بنسبة تتراوح بين 5% الى 15%! ... وبعيدا عن أفريقيا يلاحظ عموما أن معظم الأبناء الذكور يصبحون أطول من أمهاتهم بعد سن البلوغ (ونصفهم تقريبا يصبحون أطول من آبائهم) . وهناك إحصائية أجريت على طلاب المدارس الكندية أكدت أن نصف الأبناء الذكور يصبحون أطول من امهاتهم في سن ال 12وحين يصلون الى سن ال 18يصبح 98% منهم أطول من والدته ( و50% منهم مساويا لوالده) .. وهذه الظاهرة (العالمية) تؤكد أن كل جيل يصبح أطول من الجيل السابق لدرجة التساؤل عن وجود سقف تنتهي عنده قامات البشر .. ... وأذكر أنني كتبت مقالا - قبل سبع سنوات - عن ظاهرة الارتفاع المتواصل في قامة الهولنديين منذ الحرب العالمية الثانية .. فالجيل الجديد فى هولندا يعد حاليا الاكثر طولا فى تاريخ اوربا ويكاد يتساوى مع مجموعة التوتسى في أفريقيا .. فمتوسط طول المجندين الشباب فى القرن التاسع عشر كان 165سم فقط ووصل في نهاية القرن العشرين الى 181سم (ارتفع حاليا الى 182سم) .. وما يحدث للهولنديين في أوربا - والتوتسي في أفريقيا - ظاهرة عالمية تلاحظ في كافة المجتمعات .. ورغم وجود عوامل كثيرة تساهم في تعملق الأجيال الجديدة إلا أن معظم الخبراء يعيدون الفضل الى ارتفاع نسبة البروتين الحيوانى المقدم هذه الأيام (كونه ينشط عمل غدة اليبوفيز المسؤولة عن النمو وتوجيه العظام والغضاريف والعضلات لمزيد من التضخم والطول) .. ففى الصين واليابان مثلا عرف الناس بقصر القامة لاعتمادهم شبه الكامل على الأرز والخضروات والاعشاب البحرية . اما الجيل الحديث (جيل مابعد الحرب العالمية الثانية) فأصبح مستهلكا كبيرا للحوم الحمراء والمنتجات الحيوانيه الاخرى الامر الذى سبب "طفرة" فى أطوال الشباب هناك .. وهذه الظاهرة نشاهدها أيضا في مجتمعنا المحلي حيث أصبح أطفالنا أكثر طولا وضخامة بسبب تفضيلهم البروتينات الحيوانية (الموجودة في الهامبورجر والبروستد والشاورما) على الأطعمة النباتية (في الأرز والفواكه والخضروات) !! ... وطالما تشهد شعوب العالم كله - حتى الفقيرة والمتخلفه منها - تحسنا في نوعية الغذاء والخدمات الصحية يصبح من حقنا التساؤل عن : - السقف الذي ستتوقف عنده قامات البشر ... - وهل سيتساوى تحته الجنسان في المستقبل (كما في قبائل التوتسي)؟ - وهل للعرق أو الموقع الجغرافي دور في تفاوت قامات الشعوب (لا تؤثر فيه نوعية الغذاء أو الرعاية الصحية)!؟ - أما السؤال الفيصل فهو : إلى متى سيستمر (المراهقون الجدد) في التفوق على آبائهم وأمهاتهم في الطول!؟