الوطن هو من يصنع الشركات الناجحة بما في ذلك وكالات السيارات، فهو الذي يحتضن هذه الشركات كمقر لعملياتها التجارية ومركز لأنشطتها الاستثمارية وراعٍ لخططها التوسعية؛ والمواطن كقوة شرائية ورقم مؤثر في المبيعات هو الداعم الرئيس لنجاح هذه الشركات وبقاء تنافسيتها في السوق، لكن أسواق اليوم والمستهلك فيها ليس كالأمس لانحسار الحدود الجغرافية بسبب انتشار التجارة الإلكترونية والتي أفرزت ما يعرف بالمستهلك الذكي والمدرك للبحث عن أفضل خياراته؛ في المقابل قطاع السيارات ظل بعيدا لسنوات عن الغربلة التنظيمية والهيكلة التشريعية والمسألة القانونية والمحاسبة القضائية نتيجة الهوامش الربحية العالية جدا من مبيعات السيارات والتي تزيد بفارق كبير عن نظيراتها في أسواق الدول المجاورة، هذا فضلا عن أن أغلب وكلاء السيارات المحليين يتمتعون بوضع مسيطر في قطاع السيارات نتيجة الاستحواذ على أكثر من علامة تجارية، وهو ما يعني بالتالي تحقيق أرباح تراكمية تضاف لما يتم تحقيقه من بيع التجزئة وبيع قطع الغيار وخدمات الصيانة. مؤخرا ونتيجة لما اتخذته وزارة التجارة من محاولات لمعالجة مشكلة تأخر تسليم السيارات للمستهلكين من قبل وكالات السيارات، وتقديم أفضلية البيع للوكلاء والموزعين، أقر مجلس إدارة الهيئة العامة للمنافسة الموافقة على مباشرة إجراءات ما قبل التحقيق في احتمال قيام عدد من شركات ووكلاء ومعارض السيارات بمخالفة أي من مواد نظام المنافسة، فاستغلال المستثمرين في قطاع بيع السيارات وخدماتها واضح الجشع وفاضح الاحتكار لما يملكونه من معلومات مسبقة عن المهنة والظروف المحيطة والمؤثرة في نمط حركة السوق والمبيعات والتسويق، وبالتالي من المحتمل توظيف ذلك بطرق غير مشروعة عند شراء كميات السيارات من المصنعين وتجفيف السوق تمهيدا للتحكم بأسعار بيعها، وهو ما يمثل تأثيرا على المنافسة المشروعة، والتي ألقت بظلالها ليس فقط على الحركة الاستهلاكية لاقتناء السيارات التقليدية الجديدة نتيجة الزيادة غير المنطقية لأسعارها، وليطال حتى السيارات المصنعة في الدول الآسيوية والتي تضاعفت أسعارها في فترة وجيزة مع حداثتها في السوق، بل وأثر ذلك حتى على أسعار حركة سوق السيارات المستعملة والتي أصبحت بهامش سعري غير بعيد عن قيمة السيارات الجديدة، هذا فضلا عن التكاليف الباهظة للصيانة في المراكز المعتمدة ومواعيدها التعجيزية، والتراخي في المبادرة لتصحيح عيوب السيارات المصنعية. ولهذا نقول: إن ما يعانيه المستهلك أجمالا مع وكلاء السيارات من جشع وإهمال، لا يتناسب مع ما يقوم بدفعه من مبالغ عالية جدا لهم، فلا مشاحة في تحقيق وكلاء السيارات هوامش ربح معقولة وتتماشى مع ما هو موجود في الأسواق الأخرى، والتي لجأ إليها المستهلك اضطرارا لتفادي الجشع والممارسات الاحتكارية في كافة خدمات سلسلة أعمال منظومة قطاع السيارات في السوق المحلي، باعتبارها لا ترقى إلى المنطقية والجودة المأمولة في الأسعار أو الخدمات.