البوال الليلي أو تكرار التبول أثناء النوم حالة شائعة ومزعجة للغاية تصيب عادة الرجال اكثر من النساء وبمعدل 16٪ ما بين سنة 40 - 49 سنة وحوالي 15 الى 29٪ مابين سنة 50 الى 59 سنة و 32 الى 42٪ ما بين 60 الى 69 سنة و55٪ مابعد 70 سنة من العمر وتفاوت تلك النسبة يعود الى اختلاف تعريفها في الدراسات اذ أن بعض الاخصائيين يعتبرون أن اكثر من تبول واحد كاف لتصنيف الحالة كبوال ليلي بينما الآخرون يشددون على ضرورة حصوله، اكثر من مرتين كحد ادنى له، واما إذا ما زاد على 3 تبولات ليلية وحسب الاعراض البولية التي ترافقه تكون نسبه حسب دراسة قام بها الدكتور «دييوكنو» وزملائه كما يلي: 69٪ عند الرجال و 7,3٪ عند النساء الذين لا يشتكون من اية اعراض بولية اخرى و 23٪ عند الرجال وحوالي 17٪ عند النساء المصابين بالسلس البولي وحوالي 25٪ إذا ماحصلت اعراض بولية هيوجية كالالحاح على التبول وتكراره وحوالي 21٪ إلى 24٪ إذا ما اقترن بأعراض بولية انسدادية كالصعوبة بالتبول مع عدم القدرة على إفراغ المثانة وتباطؤ سرعة جريان البول وتقطيعه وقد تبين في دراسة امريكية أخرى أن حوالي 29٪ من الاشخاص الذين تجاوزوا 45 سنة من العمر يبولون مرة او اكثر أثناء النوم مما يشكل معدل حوالي 25 مليون رجل وحوالي 33 مليون امرأة يشتكون من تلك الحالة في الولاياتالمتحدة وترتفع تلك النسبة مع التقدم في العمر لتصل الى حوالي 80٪ او اكثر لدى الرجال الذين تجاوزت اعمارهم 80 سنة. واما عند النساء كما تبين في دراسة اجراها الدكتور «سويسنبك» وزملاؤه فإن تكرار التبول الليلي يحصل 51٪ ما بعد 80 سنة من العمر وتلك الارقام المذهلة تشدد اهمية تلك الحالة بالنسبة إلى ازعاجها الشديد للمريض وتأثيرها السلبي على جودة حياته مما دفع الاخصائيين إلى عقد مؤتمر عالمي حولها في لندن جمع ابرز الاخصائيين الدوليين ونشرت نتائجه في المجلة البريطانية الدولية لأمراض المسالك البولية والتناسلية وسنحاول في تلك المقالة مناقشة ابرز مقتطفات هذا المؤتمر وغيرها من الدراسات لإعطاء الفرصة الى زملائنا الكرام والمرضى المصابين بهذا المرض وقرائنا الاعزاء من الاستطلاع على آخر المستجدات حوله وشرح مميزاته المتعددة. تأثير البوال الليلي على المريض: ما هو تأثير الحالة على المريض وهل هو متساوي ما بين الرجال والنساء؟ للاجابة عن هذا السؤال علينا مراجعة بعض الدراسات الدولية التي تركزت حول نسبة ازعاجه للمصابين به.. ففي دراسة قام بها الدكتور «شفنيز» وحلت تلك النسبة الى حوالي 26٪ بينما تعدت 65٪ عند 443 مريض ومريضة تبولوا مرتين او اكثر ليلياً في دراسة اخرى بريطانية قام بها الدكتور «جوليس» ومساعدوه لم تدل على اي فرق بين الجنسين واظهرت دراسة للدكتور «سويسنبك» أن لدى حوالي 18٪ من النساء المصابات بالبوال الليلي كانت تلك الحالة مزعجة لحوالي 63٪ منهن وكانت اكثر الاعراض البولية ازعاجاً من بعد بول الفراش. وفي دراسة ايطالية على 685 رجلاً مصابين بتضخم البروستاتا الحميد اشتكى حوالي 62٪ منهم من تلك الحالة واعتبرها حوالي 75٪ من هؤلاء الرجال مزعجة لهم إذا ما حصل التبول الليلي مرة او اكثر ليلياً مع سلبيات عديدة ابرزها تأثيره على نمط النوم والشعور بالنعاس وعدم الرفاهة والنشاط أثناء النهار مما قد يؤثر على الاداء الوظيفي والانتاج المهني وجودة الحياة.. كما اكدته دراسة هولندية على 819 رجل اظهرت نقصاً ملموساً في الاداء الجسدي والعقلي عند هؤلاء الرجال المصابين بتلك الحالة وعلاوة على ذلك فإن قيام بعض المسنين من النوم للتبول قد يعرضهم الى السقوط وكسر العظام مما قد يشكل خطراً عليهم. ما اسباب البوال الليلي؟ هناك ثمة اسباب لتلك الحالة كما أوضحها الدكتور «واين» وزملاؤه أثناء المؤتمر ابرزها: 1- العوامل السلوكية والنفسية كالاكتئاب والقلق والبيئوية التي تشمل ايضاً توقيت ونوع وكمية السوائل التي يشربها المريض او المريضة أثناء النهار وبصورة خاصة قبل الايواء الى الفراش خصوصاً تلك التي تدر البول كالقهوة والشاي والمرطبات المحتوية على الكافيين والكحول وغيرها. 2- البوال النهاري نتيجة داء السكري والبوالة التفهة الكلوية او الدماغية وفرط تركيز الكلسيوم في الدم والبوال النهاري الأولي وفرط تناول المشروبات أثناء النهار. 3- البوال الليلي او زيادة كمية البول المفروغة ليلاً بسبب احتباس بولي في الجسم أثناء النهار او القصور الوريدي او نقص في معدل الالبومين في الدم أو المعالجة بالمدرات للبول أو الفشل القلبي الاحتقاني أو الكلوي المزمن والخلل الوظيفي العصبي وحالات انقطاع التنفس أثناء النوم وفرط تناول الملح. 4 - مشكلات تخزين أو تفريغ البول من المثانة التي تعود إلى عدة اسباب ابرزها الالتهاب البولي وتضخم البروستاتا الحميد والمثانة العصبية المفرطة النشاط ونقص في الهرمون الأنثوي عند النساء وتدني سعة المثانة. 5 - العوامل العائدة إلى النوم التي تشمل الأرق وانقطاع النفس اثناءه والمدة التي يقضيها الشخص في السرير واستعمال المسكنات. ورغم أن هناك عوامل عديدة قد تشترك معاً في حصول البوال الليلي إلا أن معظمها يعود إلى زيادة تفريغ البول من الكلى أثناء النوم أو نقص في سعة المثانة أو كليهما وأحياناً إلى اضطرابات في النوم ناهيك أننا لا ندري إذا ما يبول الرجل المسن بسببها أو أن البوال الليلي هو المسؤول عن الأرق. التشخيص في مقالة شاملة حول هذا الموضوع نشرها الدكتور «وايس» والدكتور بليفاس من الولاياتالمتحدة في مجلة «الاعراض البولية والتناسلية المعاصرة» الامريكية شددا على ضرورة استنطاق المريض حول تاريخه الطبي والأمراض التي اصيب بها والعمليات الجراحية التي اجريت له والعقاقير التي يتناولها يتبعها فحص سريري شامل مع التركيز على الجهاز البولي والتناسلي والعصبي. ومن أهم الوسائل التشخيصية تدوين اليوميات بالنسبة إلى كمية السوائل المشروبة نهاراً وليلاً وتوقيتها وعدد التبولات أثناء النهار والليل وتوقيتها وكميتها واجراء التحاليل المخبرية على البول والدم وأحياناً بالأشعة وتخطيط المثانة الالكتروني أو تنظيرها مما يساعد على تشخيص اسباب تلك الحالة واتباع معالجة خصوصية ودقيقة في معالجتها وشفائها، إن شاء الله، وقد صنفت تلك الحالات إلى 3 فئات رئيسية: 1 - زيادة افراغ البول أثناء النوم إذا ما كانت كميته اكثر من 35٪ من الكمية الاجمالية المفروغة خلال 24 ساعة وذلك بعد قياسه لمدة يومين أو ثلاث ولكن ليحصل البوال الليلي يجب على كمية البول الليلي أن يفوق سعة المثانة ولذلك تقدر سعتها القصوى على اساس أعلى كمية من البول يفرغها المريض في النهار أثناء احدى التبولات واسباب تلك الحالة عديدة كما ذكرناه سابقاً. 2 - المثانة العصبية أو المفرطة النشاط مع قلة سعتها.. هذه الحالة تعود إلى تبول كميات من البول متكررة أثناء النوم تقل كميتها على سعة المثانة القصوى الموزونة أثناء النهار وتسبب تعدد التبول الليلي نتيجة نقص في سعة المثانة. وهنالك ثمة اسباب لتلك الحالة ابرزها حالات القلق وحصيات المثانة وسرطان البروستاتا والاحليل والتهاب المثانة على أنواعه أو اصابتها بالسرطان أو وجود ناسور بين الأمعاء والمثانة وانسداد عنقها وضيق الاحليل وتضخم البروستاتا الحميد والخلل الوظيفي للتبول المكتسب بالتبول غير الطبيعي واستعمال بعض المواد المدرة للبول مثل الكافيين الموجود في القهوة والشاي والشكولاته وبعض المرطبات أو الكحول وبعض العقاقير «كمحصر بيتا» المستعمل في معالجة فرط الضغط الدموي والأمراض القلبية والتهاب البروستاتا المزمنة أو وجود خراج داخلها والحصيات الحالبية والداء النشواني أو انثبان بطاني رحمي داخل المثانة وغيرها. 3 - اندماج الفئتين الاولى والثانية معاً الذي يحصل عند العديد من المرضى. معالجة البوال الليلي يتم العلاج حسب السبب المشخص وبناءً على رغبة المريض بذلك إذ انه قد يرفضه إذا لم تكن الاعراض البولية مزعجة له أو منغصة لحياته. فبعض المرضى إذا ما اطمأنوا عن غياب أي مرض خطير أو خبيث لديهم قد يتقبلون ببوالهم الليلي بدون أي انزعاج لهم ولا يريدون اية معالجة له وعلى الطبيب المعالج احترام مشيئتهم ومتابعتهم دورياً بدون أي علاج، واما إذا ما كانت هذه الحالة مؤثرة على جودة الحياة ومزعجة للرجل أو المرأة المصابين بها فترتكز المعالجة على السبب المشخص وتبدأ بتثقيف المريض حول حالته واعطائه بعض الارشادات الاساسية بالنسبة إلى تقليل شرب السوائل خصوصاً المدرة للبول لمدة ساعتين أو ثلاثة قبل الايواء إلى الفراش وافراغ المثانة وتقليل شرب القهوة والشاي والكحول وبعض المرطبات التي تحتوي على الكافيين خصوصاً قبل النوم وأخذ سنة من النوم بعد الظهر وتفريغ المثانة عند الاستيقاظ ورفع القدمين على وسادة عالية عند الجلوس واستعمال الجوارب المطاطة وتفادي العوامل التي تؤثر على جودة النوم مثل الضجيج والقلق وسلوك الزوج أو الزوجة المزعج أثنائه كالشخير أو زيادة الحركة ومن أهم العقاقير التي يمكن استعمالها تناول المدر للبول حوالي 6 ساعات قبل النوم والهرمون الانثوي من الفم أو بلصقات جلدية أو بواسطة مرهم يوضع على فوهة المهبل إذا ما شخص نقص في معدل هذا الهرمون عند بعض النساء، ويمكن احيانا استعمال عشبة «الميلاتونين» بنجاح في بعض تلك الحالات. وإذا لم تنجح تلك الارشادات والخطوات الأولية إلى تحسين البوال الليلي. كما يحصل في أغلبية تلك الحالات، يجب اتباع معالجة خاصة ودقيقة حسب الأسباب وفئة الحالة المشخصة كما ذكرناه سابقا للحصول على أفضل النتائج. أ - علاج الفئة الأولى أي زيادة ادرار البول أثناء النوم: إن الهدف الأولي في معالجة تلك الحالة هو تخفيض كمية البول المفروغة من الكلى أثناء النوم مما قد يحد من البوال الليلي وأهم عقار للحصول على ذلك هو «دسمو بريسين» أو «دد أي ف ب» DDAVP الذي يستعمل حقناً في الانف او بشكل اقراص والذي اعطى نتائج ممتازة في بعض تلك الحالات مع مضاعفات خفيفة وغير خطيرة إذا ما تقيد المريض بالارشادات الطبية وخصوصا بالنسبة إلى عدم الافراط بشرب الماء والسوائل قبل النوم أو أثنائه مما قد يؤدي إلى انخفاض خطير في معدل الصوديوم في الدم مع مضاعفات عصبية وخيمة. وفي اطروحة حول هذا العقار قدمها الدكتور «ابرامس» في المؤتمر العالمي حول البوال الليلي وعرض خلالها نتائج الدراسات العالمية حول استعماله التي برهنت فعاليته العالية في أغلبية تلك الحالات مع مضاعفات غير خطيرة وخصوصا عند الرجال والنساء الذين يستيقظون مرتين أو أكثر للتبول أثناء النوم واظهر انخفاضا ملموسا في عدد التبولات الليلية وحجم البول المفروغ ليلا واطالة مدة النوم لأكثر من ساعة وأربعين دقيقة بدون الشعور بالحاجة إلى التبول. وفي دراستين على الرجال والنساء الذين يشتكون من تلك الحالة مع بوال ليلي بمعدل مرتين أو أكثر عولجوا باقراص «الدسموبريسين» أو بالحبوب الكاذبة بطريقة عمياء لمدة 3 أسابيع لكل منها وشملت 151 رجلا و144 امرأة تتراوح أعمارهم بين 57 و66 سنة أظهرت تفاوتا كبيرا في النتائج مع تخفيض عدد التبول الليلي لأكثر من 50٪ عند 34٪ من الرجال و46٪ من النساء الذين استعملوا «الدسموبريسين» مقارنة بثلاثة بالمئة وسبعة بالمئة عند الذين استعملوا الحبوب الكاذبة، علاوة على ذلك فإن تناول هذا العقار خفض عدد التبولات الليلية وكمية البول المدرة أثناء النوم، وساعد حوالي ثلث المرضى في التمتع بنوم هنيء لمدة 5 ساعات أو أكثر. وأما بالنسبة إلى الأعراض الجانبية لهذا العقار فقد شملت الصداع (38٪) الغثيان (12٪) الدوام (9٪) ونقص في معدل الصوديوم في الدم (9٪) عند معايرة الدواء في بداية الدراسة ولكنها انخفضت إلى معدل الأقراص الكاذبة إي حوالي 9,5٪ من بعدها، وأغلب تلك الأعراض كانت طفيفة ومؤقتة، وأما بالنسبة إلى خطر حصول نقص حاد في معدل الصوديوم في الدم، اي لأقل من 125 «ميلي مول» لكل ليثر فلم تدون اية حالة في تلك الدراستين ناهيك أن انخفاضه المعتدل حصل لدى 22٪ من الرجال و12٪ من النساء وزاد معدل هذا النقص مع ارتفاع حجم البول المفروغ ليلا، ومن ابرز الأعراض السريرية الجانبية لنقص الصوديوم الشديد الصداع والغثيان والقياء والدوار وزيادة الوزن والوزمة التي إذا ما ظهرت تستدعي التوقف الفوري عند استعمال هذا العقار واستشارة الطبيب بدون أي تأخير للمعالجة لأن اهمالها قد يؤدي إلى مضاعفات عصبية خطيرة كالنفضان العضلي والهذيان والنوبات الصرعية والسبات خصوصا إذا كان معدل الصوديوم أقل من 120 ميلي مول، لكل ليتر نتيجة افراط المريض بشرب الماء والسوائل او إذا كان حجم البول الليلي مرتفعا جدا خصوصاً إذا ما تعدى عمر المريض 65 سنة. ولكن رغم نجاح هذا العقار في معالجة تلك الحالات يجب الامتناع عن استعماله لدى المرضى الذين يتناولون مدر للبول مع انخفاض معدل الصوديوم في الدم أو أولئك المصابين بالفشل القلبي الاحتقاني أو تشمع الكبد أو الذين يفرطون بشرب السوائل والمصابين بالتبول المتكرر أثناء النهار، ويجب القيام بالتحليل المخبري حول معدل الصوديوم بعد يوم او ثلاثة ايام من الابتداء بالعلاج أو عند زيادة جرعة الدواء وقد أكدت دراسة أخرى قام بها الدكتور «مائيياسون» نجاح هذا العلاج بنسبة 34٪ على 151 مريض مع أعراض جانبية طفيفة في حوالي 17٪ منهم. ب - معالجة الفئة الثانية أي توتر المثانة العصبي مع نقص في سعتها المعالجة في تلك الحالات تقوم على أسباب التوتر العصبي للمثانة كما شرحناه سابقا وقد تشمل معالجة الالتهابات وتضخم البروستاتا الحميد وانسداد عنق المثانة والاحليل واستئصال حصيات الحالب والمثانة ومعالجة سرطان البروستاتا والاحليل والمثانة والتهاب البروستاتا وغيرها من الآفات التي قد تسبب البوال الليلي. ويمكن في أغلبية تلك الحالات استعمال عقاقير تساعد على زيادة سعة المثانة وكبت تقلصاتها غير الارادية وأبرزها «ثولتيرودين» أو «أوكسيبيرتينين» أو «الثروسبيوم» مع نتائج جيدة في تلك الحالات خصوصاً إذا ما ترابطت بعلاج تطبيعي للتبول، واما إذا كان البول الليلي عائداً الى الفئتين الأولى والثانية معاً فتجب معالجة كل منهما افرادياً للحصول على أفضل النتائج.