بعد 15 يوما من الاحتجاجات المستمرة في شوارع لبنان التي أسفرت عن استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري في وقت حساس استجابة منه لمطالب الشارع للخروج من الوضع الحالي المختل، تبدأ التساؤلات عن السيناريوهات المتوقعة للمرحلة المقبلة، خاصة بعد انقسام الشارع مابين مؤيد يرى أنها انتصار للشعب بعيدا عن كل التقسيمات الطائفية والحزبية، ومعارض يرى أنها «لا تكفي» منفردة مطالبين باستقالة رئيس الجمهورية وكذلك رئيس البرلمان. ويطالب المتظاهرون المحتجون على التراجع الشديد في مستوى المعيشة والأوضاع المالية والاقتصادية الطاحنة، والتدهور البالغ الذي أصاب الخدمات التي تقدمها الدولة لاسيما على صعيد قطاعات الكهرباء والمياه والنفايات والرعاية الصحية، بتشكيل حكومة مستقلة عن كل الأحزاب السياسية، تتولى إنقاذ البلاد من في الفترة الحساسة والإشراف على انتخابات نيابية مبكرة، مؤكدين أن الأيام المقبلة ستشهد تحركات شعبية جديدة لمواجهة مناورات حزب الله. ويرى محللون سياسيون أن الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري لم تكن قادرة على مجابهة حزب الله الذي يسيطر على مقاليد الأمور ويغطي الفساد ويشارك فيه من خلال التعطيل الدستوري، والمعابر المفتوحة، وتهريب الأموال، وتهديد النظام المصرفي، ووضع لبنان تحت الوصاية الإيرانية، وعزله عن محيطه العربي وأوصله إلى هذه المرحلة الحرجة. ويشير المحللون إلى أن محاولة حزب الله تعطيل استقالة الحريري كانت تهدف لإبقائه شريكا لهم داخل السلطة بكل الأخطاء والتجاوزات المتركبة، أما في الوقت الحالي فمن المؤكد أن حزب الله كعادته سيفرض نفسه على الحكومة الجديدة وسيستمر في محاولة الضغط لتشكيل حكومة له فيها أغلبية، لتبقى تركيبة السلطة بيد حزب الله. وأكد المحللون أن الشعب في نفس الوقت لن يرضى بالأطراف الموجودة في السلطة أن يكون شريكا في تركيبة الحكومة المقبلة، بعد أن فقد ثقته تماما في حركة أمل والتيار الوطني الحر وحزب الله المصنف كتنظيم إرهابي على مستوى غالبية دول العالم وفي جامعة الدول العربية، وبالتالي يذهب لبنان لمزيد من الانهيار. ومن جانبه، قال محمد حامد، الباحث المصري المتخصص في الشأن العربي والدولي، إن استقالة الحريري صفعة على وجه حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني المتمسك بالسلطة وأحزابها، وهي محاولة للضغط عليهم للاستماع لصوت الشارع الذي يرفض الحكومة بالكامل، ومحاولة لإجبار الطرف الآخر لتشكيل حكومة تكنوقراط من الكفاءات واستعادة الأموال المنهوبة. وأكد حامد في تصريحات ل»الرياض» أن دور حزب الله السلبي معروف، ووجوده في أي حكومة مقبلة سيعقد الأزمة أكثر وأكثر لأن عليه عقوبات كبيرة طالت بعض المصارف اللبنانية، مشيرا إلى أن هناك رفضا حاليا لكل الطبقة السياسية الموجودة، ولكن يجب الانتباه إلى أن أي محاولة لصبغ هذه التظاهرات بصبغة طائفية أو أنها مع أي طرف من الأطراف سيجعل لحزب الله ذريعة أن يقول إن هذه التظاهرات هدفها الإطاحة بحزب الله وسطوته ودوره في لبنان. وأشار حامد إلى أن حزب الله هو السلطة الفعلية ولا يمكن أن يدعي أنه خارج المشهد، ويكفي خروج الناس في مناطقهم ليقولوا «كفرنا بكم.. وبكل شيء بسبب الانهيار الاقتصادي»، وبالتالي انسداد الأفق هذه المرة في لبنان في حاجة لمعادلة جديدة أو بالأحرى قلب الصفحة وتحرير البلد من كل التفاهمات أو المعادلات الخشبية التي ورثت كالعقار القديم. وشدد حامد على أن من أفشل العهد هم أرباب العهد المتغطرسين؛ التيار الوطني وحزب الله وحركة أمل، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها لأن كل القوي السياسية قبل الأزمة كانت عبارة عن «دمى متحركة»، وبمعنى آخر فإن محور 8 أذار بعد أن حكم البلد أغرقها لذلك خرج الشارع ليقول «كلن يعني كلن.. نصر الله واحد منن»، مطالبين بطبقة سياسية جديدة ونظام علماني ودولة مواطنة لا طائفية.