ان عصابة اليمين المحافظ والمتطرف التي وجدت في قوى التطرف في العالم الإسلامي الوجه الآخر لها قد نجحت في توظيف هذه المجموعات الظلامية العدمية والمشبوهة في تنفيذ استراتيجيتها الخبيثة لخلط المقاومة بالإرهاب، هنالك حقائق ثابتة وصريحة ومعلنة فيما يتعلق بالتحالف والتفاهم بين الجماعات الإسلامية المتطرفة وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد بدأ ذلك عندما جندت الولاياتالمتحدةالأمريكية في نهاية عقد السبعينيات حركات وتنظيمات إسلامية في أفغانستان لمحاربة الوجود والنفوذ السوفيتي في أفغانستان، وفي تلك المرحلة شجعت أمريكا الإسلام السياسي المتشدد والعقائدي للتصدي للايدلوجية اليسارية السوفيتية فكانت الثورة الإسلامية في إيران وتثوير حركات ومجموعات إسلامية في أفغانستان ضد السوفيت.. وقد يقال إن توظيف أمريكا آنذاك للدين في السياسة أصبح من الماضي خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وان تلك المرحلة قد طويت لكن الصحيح هو أن توظيف الدين في السياسة من قبل قوة عظمى عاتية يظل ممكناً طالما كان مفيداً لتنفيذ استراتيجيات جديدة وأهداف اخرى وربما لا تكون الحقائق بوضوح صورة التحالف الذي جرى بين الأمريكان وحركة طالبان وتنظيم القاعدة لمحاربة السوفيت في أفغانستان ولكنه رغم كل الخلافات على السطح وشعارات العداء المتبادلة يبرز تكامل الأدوار والإسهام في المخطط ضد منطقتنا كحقيقة يراد لها أن تكون ملتبسة لتسهيل تمرير الهجمة الأمريكية على العرب والمسلمين عبر الحرب الوقائية العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية وكل أشكال الضغوط والتهديد والتنديد والوعيد والتآمر وكل ما يفضي إلى تفكيك المنطقة واضعافها وانهاكها عبر آليات الفوضى البناءة تمهيداً لإعادة صياغة المنطقة وفق الرؤية والمصالح الإسرائيلية والأمريكية، وتركز أمريكا على أن تفكيك المنطقة وإعادة تركيبها كما تشاء هو التحدي الذي يواجهها، ويتطلب هذا التركيز والاهتمام الأمريكي توفير مبررات وايجاد أدوات لاختراق المنطقة وضربها من داخلها وهي تستخدم كل الوسائل لاستباحة المنطقة كمنطقة وركيزة لإعادة تشكيل العالم طبقاً لحلم أمريكا الإمبراطوري في الهيمنة الكلية والنهائية على مقدرات الكرة الأرضية، وذلك عبر الاستفادة من كل المعطيات ومن بينها الثنائية القطبية التي يشكل فيها طرفا الإرهاب وجهين لعملة واحدة.. ولا يوجد شك بأن الأهداف المرحلية في السيطرة على المنطقة ترتبط بخلق مناخات وتتطلب أدوات وتحتاج إلى تكتيكات ووسائل وصولاً للغايات وهي ترتكز إلى ثنائية قطبية مشحونة بالتناقضات والصراعات ولكنها متحدة في تحقيق الهدف، وهكذا نرى بروز وقائع جديدة وحقائق على الأرض تعكس توسيع وتزايد دور حركات التطرف الإسلامي وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، ونسأل: هل هي صدفة أن يترعرع تنظيم القاعدة في أفغانستان والعراق تحت سلطة الاحتلال، هذا التنظيم الذي كان مركزه في أفغانستان في ظل حكومة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان، كان وهو في السلطة أضعف مما هو عليه اليوم بعد أن شنت الولاياتالمتحدة حرباً على أفغانستان تحت ذريعة اجتثاث تنظيم القاعدة باحتلال أفغانستان واقامة تحالف عسكري أمني وسياسي مع باكستان وتظاهرت أمريكا بأنها تشن حرباً عالمية للقضاء على تنظيم القاعدة، ولكن ما حدث خلال أربع سنوات هو أن هذا التنظيم ازداد قوة ونفوذاً وتمدداً في ظل الاحتلال الأمريكي. أما النموذج العراقي فهو أكثر غرابة حيث لم يكن للقاعدة أي وجود في العراق قبل احتلاله من قبل أمريكا قبل أكثر من عامين ونصف، وخلال احتلال أمريكا وحكمها للعراق منذ 9 نيسان 2003م وحتى اليوم أصبح العراق الموقع الرئيسي لتجمع كل حركات التطرف الإسلامي تحت لافتة القاعدة بقيادة الزرقاوي، وأصبح هذا التنظيم يمتلك عدة وعتاداً وأموالاً وقد تخصص بقتل الأبرياء من أبناء العراق وتسبب في حصد أرواح عشرات الآلاف من العراقيين. ولا يوجد أدنى شك بأن العمليات الإجرامية العشوائية الموجهة ضد الأبرياء والعزل التي تنفذها القاعدة في العراق تحقق للأمريكيين نتيجتين ضروريتين: الأولى اعطاء مبرر لاستمرار الاحتلال وتكريسه وتشبث سلطة الاحتلال بحجة إبقاء قواتها للحفاظ على الأمن والاستقرار والإدعاء أن استمرار احتلالها العسكري هو لحماية العراقيين ولذلك فإن أمريكا حريصة على تصعيد العنف في العراق واستمرار العمليات الإجرامية والتمسك بذلك كذريعة تتلازم مع استمرار احتلالها للعراق، أما البعد الثاني فهو أيضاً يصب في الاستراتيجية الأمريكية المعلنة لتغذية الفتنة الطائفية وتأجيج الصراعات واهتزاز الأمن والاستقرار كآليات ضرورية لإنجاح المشروع الأمريكي في نشر الفوضى التي تسميها الفوضى البناءة!! وفي الإطار الأوسع حيث الكثير من القرائن والدلائل والاستنتاجات التي تصل إلى حد اليقين نجد أن أمريكا نفذت سياساتها العدائية الإمبراطورية ابتداءً استناداً إلى حجة أن القاعدة هي التي نفذت الجريمة الإرهابية الضخمة في 11 أيلول العام 2001م والتي جعلت منها أمريكا مبرراً لشن حربها الوقائية تنفيذاً لأفكار ومخططات مسبقة ومعروفة تبناها اليمين الديني المحافظ منذ وصولهم مع الرئيس بوش وهم كانوا قد تبنوا بشكل واضح كما هو معروف وقبل أشهر طويلة من 11 أيلول سياسات تستهدف المنطقة ابتداءً من الدعوة الصريحة لاحتلال العراق!!. ولا جدال بأن اليمين الديني في الإدارة الأمريكية المتصهين والمفتون بجنون القوة والمتعطش للدم والذي يمجد العنف والتطرف يحتاج إلى أدوات أولاً لتبرير تمرير سياساته وثانياً لمساعدته في ضرب بلدان المنطقة من داخلها ولتحقيق نظرية الفوضى البناءة واغراقها في حمامات الدم وتأجيج الصراعات، وكل ما يتسبب في إنهاك وإضعاف بلداننا جميعاً لتسهيل إعادة صياغتها بما يعزز دور إسرائيل وخلق واقع جديد يخضع للمشيئة الأمريكية الإسرائيلية.. ويظل الأهم في رأيي هو أن عصابة اليمين المحافظ والمتطرف التي وجدت في قوى التطرف في العالم الإسلامي الوجه الآخر لها قد نجحت في توظيف هذه المجموعات الظلامية العدمية والمشبوهة في تنفيذ استراتيجيتها الخبيثة لخلط المقاومة بالإرهاب، وهو ما دفع شارون بعد تفجيرات عمان الأخيرة أن يكرر ما كان يعلنه دوماً بعد كل عمليات إجرامية تقع في مدن عربية بأن العنف والعمليات الانتحارية جزء من حالة في المنطقة وليست موجهة ضد احتلال إسرائيل لأرض فلسطين وحرمان شعبه من حريته وحقه في تقرير مصيره على ترابه الوطني حيث كانت المقاومة حقاً إنسانياً مقدساً إلى أن يزول الظلم والطغيان وتتحرر الأرض والإنسان الفلسطيني، ولا يخفى أن إسرائيل سعيدة بانطلاقة الحرب الوقائية والهجمة ضد منطقتنا حيث يقع هدف خلط المقاومة والإرهاب في مقدمة أهداف الحملة الأمريكية الاستعمارية ضد العرب والمسلمين، ولاشك أن إسرائيل كذلك سعيدة جداً ببروز ظاهرة اليمين الديني المتطرف في الإدارة الحالية وسعيدة أكثر ببروز ظاهرة اليمين الديني المتطرف عبر حركات تدعي الإسلام في مقدمتها تنظيم القاعدة، وهنالك دور تكاملي وجدلي وتصادمي بين قوى التطرف في أمريكا وقوى التطرف في العالم الإسلامي حيث يستخدم الطرف الأقوى وهو أمريكا الطرف الآخر لتنفيذ مخططاته وتجمع الطرفين نزعة التدمير والتعصب والمغامرة والحقد ومظلة الشر الواحدة.