من المؤكد أن من إيجابيات انخفاض أسعار النفط ان يتم إعادة النظر في جميع الالتزامات المالية على ميزانية الدولة لإعادة دراسة الأولويات للمشروعات التي اعتمدت منذ سنوات ولم تنتهِ او لم يتم البدء بتنفيذها من منظور جهة أعلى وليس على مستوى الجهة او المنطقة التي يقع بها، وليأتي قرار الإلغاء للمشروعات والدراسات التي لا تحظى بالأولوية من سلطة عليا ترفع الحرج عن الجهات الحكومية، فثقافة انه يجب ان تكون لكل جهة مشروعات جديدة مع اعلان كل ميزانية انتهت وهذا ما رأيناه في الميزانية الجديدة لهذا العام بعدم الإعلان عن اعتماد تكاليف جديدة مفصلة للمشروعات الجديدة ولتتفرغ كل جهة لإنهاء مالديها من مشروعات متعثرة. ومع قناعة الجميع بالوضع المالي الحالي بسبب الانخفاض الشديد للإيرادات وماتم اتخاذه من إجراءات لرفع كفاءة الانفاق ومن ذلك تأجيل اعتماد المشروعات الجديدة لحين التأكد من جدوى المشروع وقدرة الجهة على التنفيذ، فان ما يهمنا هو ان يكون مفهوم رفع كفاءة الانفاق واضحا لجميع من يُسند اليه التطبيق الفعلي للاعتمادات السنوية (السيولة النقدية للجهة) لتوجيه الانفاق وفق الاحتياج الفعلي لكل برنامج ومشروع حتى وان تطلب زيادة لمعدلات الصرف وليس تخفيضه او الاجتهاد بإيقافه! فخلال السنوات الماضية برزت مشكلة تعثر المشروعات لأسباب متعددة تعود اما لجهات حكومية وخدمية او للمقاولين ولكن لم يكن بينها مشكلة نقص السيولة المالية المخصصة للصرف بالميزانية، ومع إعادة النظر بالمشروعات وإلغاء وتأجيل الكثير منها، فان المعيار الذي يُعتمد لاستمرار تنفيذ المشروع او برنامج الصيانة والتشغيل يجب ان يتبعه استمرار في الصرف عليه لإنهائه وتقديم الخدمة بالشكل المطلوب لعدم زيادة عدد المشروعات المتعثرة بسبب نقص الاعتمادات المالية بالميزانية وخصوصا ان تعزيز الاعتمادات واجراء المناقلات قد تم التشدد بها. واذا كانت الإجراءات التي اتخذت خلال الميزانية السابقة (2015) قد نجحت في تلافي الكثير من ترتيب التزامات جديدة على الدولة لم تكن لبعضها أهمية بالإسراع في تنفيذها بالظروف الحاليِة والإجراءات المتخذة لتقييد الصرف من السيولة والتي نجحت في تخفيض رقم العجز بالميزانية السابقة وفق مانشر وصُرح به، فان هناك الكثير من مستحقات المرحلة للمقاولين والمواطنين والتي يجب النظر في أهمية سرعة صرفها في بداية الميزانية الحالية لتوفير السيولة المحلية طوال العام المالي الجديد لاستمرار الأداء وعدم تأثر سير العمل بالمشروعات وعقود النظافة والصيانة والتشغيل التي تعتمد بشكل كبير على افراد ورواتب شهرية وما سيتبع ذلك من توقف اعمال او تأخر في اصلاح وصيانه منجزات قد تنهار مع تجاهل سرعة التعميد بها ولتضيع المسؤولية عنها بين عدة جهات! مما يستلزم ان تكون هناك رؤية عليا في كل جهة تعيد النظر في الأولويات لديها لتقديمها للجهات الأعلى لاعتمادها وعدم الركون على ما يردها بالميزانية حتى تتحمل الجهة المسؤولة عن الخدمة مسؤولية ابراز احتياجها لتتم دراستها وفق أولويات الدولة وليس الجهة! ولذلك لا يجب ان نركن الى ان الانطباع العام والمطلوب بالميزانية هو التخفيض العام للصرف لكون كفاءة الانفاق تتطلب توجيه الصرف - حتى ولو ارتفع - للاحتياج الفعلي وفق التكلفة الحقيقية لتقديم الخدمة المطلوبة اللائقة للمجتمع، والاهم المحافظة على التدفق النقدي لاستمرار أداء الاعمال بدون هدر وهو التحدي القادم الذي لا يخلو من صعوبات لتجاوزه.