قد يكون مفاجئا للبعض إذا ذكرت بان هناك فهما متداولا غير دقيق لفائض الميزانية الذي يُعلن عن تحقيقه كل عام، لكون السبب الرئيس لارتفاعه ليس فقط زيادة إيرادات النفط بل كان لتعثر انجاز الكثير من المشاريع وعدم صرف قيمتها في مواعيدها دور في ارتفاع رقم الفائض! فالجميع يعلم بان فائض الميزانية يمثل الفرق بين المنصرف الفعلي والإيرادات الفعلية التي تحققت بفعل ارتفاع أسعار النفط وكميات التصدير، ويعلم أيضا بان المنصرف الفعلي في السنوات الأخيرة ارتفع بشكل كبير في وقت تعاني معظم الجهات من تعثر العديد من مشاريعها! إذاً هناك فهم مختلف لفائض الميزانية! فأمام الأرقام الكبيرة للإنفاق بالميزانية وعدم ربط حجم المنصرف الكبير مع الفائدة المتحققة منه تبرز المطالبة بابتكار معايير جديدة لقياس انجاز كل جهة بشكل حقيقي وملموس بدلا من اعتبار نسبة الصرف مقياساً للانجازات، وكذلك تطوير آلية إعداد الميزانية وقواعدها لتلبية الاحتياجات المستقبلية، فالدولة خلال السنوات الأخيرة اعتمدت مشاريع ضخمة سواء بميزانياتها او كمشاريع عاجلة خلال العام المالي، وجميعها طبقا لقواعد إعداد الميزانية يتم اعتماد تكاليفها لتوقيع عقودها وبحيث يُنظر في تخصيص مبالغ الصرف عليها ضمن اعتمادات الميزانية السنوية بناء على الإيرادات المتوقع تحصيلها في العام القادم، أي لا يتم رصد قيمتها كسيولة نقدية متوفرة بمؤسسة النقد، كما انه في الجانب الآخر ليس خافيا بان لدينا مشكلة كبيرة في إنهاء تنفيذ المشاريع المتعاقد عليها مع عدد كبير من المقاولين قبل سنوات والتي مازالت متأخرة وبعضها متوقف والبعض الآخر يعاني من تعثر لأسباب خارجة عن إرادة المقاول والجهة، وهذه المشكلة من الناحية المالية لا تتعلق بالجهات التابعة لها تلك المشاريع لكون عقودها معتمدة بالميزانية، إلا أن عدم تنفيذها وصرف قيمتها وفق برامج الصرف ومدد العقود يتسبب في استمرار تحميل الدولة بأعباء مالية قادمة بسبب الالتزامات القائمة التي تتزايد مع توقيع عقود المشاريع الجديدة سنويا! فتلك الالتزامات التي لم تصرف حتى الآن ستستحق الصرف لاحقا بعد انجازها والتي بالتأكيد تتجاوز التريليون ريال ويتطلب الأمر تدبير السيولة النقدية لها في حينه. ومن هنا يتضح بان ما يتم الحديث عنه كفائض بالميزانية هو السيولة النقدية المتوفرة حالياً وليست أموالا تفوق التزامات الدولة حتى الآن! ويزيد من صعوبة الأمر أن الأعباء المالية للمشاريع ذات الأولوية التي وقعت عقودها قبل سنوات ولم تنفذ مازالت باقية في وقت تُعتمد وتُصرف عقود أخرى لدراسات ومشاريع اقل أهمية وكمالية وترفيهية! ولو افترضنا أن معظم المشاريع ستُنجز خلال الثلاثة أعوام القادمة فانه بالتأكيد سيكون هناك عجز مالي لكون ما يعتمد سنويا بالميزانية لا يصل ل (20%) من إجمالي حجم المشاريع واستنادا على برمجة الصرف التي اختلت بسبب تعثر المشاريع، فالمخصص للرواتب والنفقات التشغيلية والصيانة يمثل الجزء الأكبر من رقم الميزانية المعلن، وهنا يتضح لنا أهمية العمل لتلافي تلك المشكلة خلال السنوات القليلة القادمة. ولقد كان التوجيه السامي الكريم بتحويل مبلغ (250) مليار ريال من فائض إيرادات ميزانية عام 2011م لحساب بمؤسسة النقد للصرف على مشاريع الإسكان التي سبق صدور أمر ملكي باعتمادها قراراً استراتيجياً صائباً لاستغلال الفائض في مشروع يهم جميع المواطنين وتجنيبه أي تطورات سلبية لا سمح الله فيما يتعلق بالجوانب المالية للميزانية في السنوات القادمة، ونظرا الى انه سبق العمل بتلك السياسة بمشاريع حيوية لبعض الجهات التي تم تمويلها من الفائض قبل سنوات، فان هناك حاجة لتعميم تلك السياسة لبعض المشاريع الأخرى الهامة في بعض الجهات كالصحة والتعليم والمياه والنقل والحرمين الشريفين و.. لضمان عدم تأثرها بأي صعوبات قد تواجه الإيرادات او ارتفاع حجم الإنفاق والصيانة والتشغيل بالميزانية، وبحيث تتم الاستفادة من الوفورات المتحققة بميزانيات الجهات كل عام والفائض العام بإيداعها في حساب خاص بمؤسسة النقد، حتى يتم التركيز في الميزانيات القادمة على رفع مستوى المعيشة وتوفير الوظائف التي تحتاجها جهاتنا ومتطلبات تشغيل وصيانة المنشآت الحكومية بالمستوى اللائق والمطلوب لتتحقق الاستفادة من المشاريع التي طال انتظارها.