قال خبراء اقتصاديون إن استمرار ارتفاع المصروفات بنسب عالية فوق تقديرات الموازنات للسنوات الأخيرة يتطلب تطويراً لأبواب الصرف لإدراج الاعتمادات المالية ضمن خطة الإنفاق السنوي داخل الميزانية التي يعدها الخبراء متحفظة جداً، مشددين على ضرورة استثمار الاحتياطيات في صور مشاريع تنموية. وقال الخبير الاقتصادي الدكتور سالم باعجاج إن المصروفات غير المخطط لها في الموازنات العامة ستدفع السياسات المالية للجوء إلى الاحتياطيات النقدية بوتيرة أكبر من المطلوب، مشيراً إلى أن تنامي ارتفاع المصروفات الفعلية بهامش كبير عند التقديرات يمثل اتجاها غير صحي على المدى البعيد. وأضاف أن أكثر المصروفات خارج الموازنة تأتي على شكل برامج تنموية يفترض أن يعد لها سابقاً وأن تدخل ضمن الميزانيات على أن تتمتع بمرونة عالية مثل الزيادة أو الخفض أو الإلغاء أو الاستبدال، لافتاً إلى أن المصروفات الطارئة أو التي لم تكن في الحسبان عند اقتراح الميزانية أو اعتمادها تختلف من حيث المبدأ عن المصروفات التنموية الإضافية التي لا تقر في الموازنات. وعن إعلان بعض البرامج بعد إقرار الميزانية بفترات وجيزة، نفقات سنوية قال عجاج إن كانت في صورة نفقات على أساس سنوي وغير طارئة يجب أن تُضمن في بنود الميزانية. وأبان أن حجم المصروفات الهائلة سواءً المقرة في الميزانيات السعودية أو غير المشمولة في الميزانية يتطلب تطويراً أكبر لأبواب الصرف ومنحها شمولية وموضوعية أكبر من النظام الحالي المطبق منذ سنوات طويلة، مؤكداً أن أبواب الصرف الأربعة المحددة والمشمولة بالرواتب والأجور والبدلات، بالإضافة إلى المصروفات العامة وبرامج التشغيل والصيانة والمشاريع والإنشاءات الجديدة تدفع السياسة المالية إلى اعتمادات أخرى خارج الموازنات للصرف على الاحتياجات الأخرى التي لا ترد في الميزانيات لصعوبة الإجراءات المالية في كل الأبواب الأربعة. وأكد أن المملكة في ظل الارتفاع الكبير في الإيرادات وتوجهها نحو استثمارها في الإنسان والمكان والخدمات السعودية تتطلب تطوير بنود الصرف بما يتفق مع تطلعات القيادة، مبيناً أن وزارة المالية تستطيع منح الأبواب مزيدا من المرونة لنقل الاعتمادات المالية من مكان باب إلى آخر، بناء على أولوية الاحتياج بدلاً من التوقف إلى السنة المقبلة. الرقابة مطلوبة وقال باعجاج إن الكثير من دول العالم المتقدم أو حتى النامية تسمح بفضل الرقابة الصارمة والمضاعفة بتحويل الاعتمادات من باب إلى آخر للوصول إلى المحصلة النهائية ولخفض التكاليف العامة. وأضاف: كخبراء طالبنا كثيراً بتطوير أسس وبنود الموازنة العامة للممكلة، لأنها باتت قديمة جداً، وبنود الصرف فيها لم تعد فعالة ولا تتناسب مع المرحلة الحالية التي تحتاج إلى موازنات غير تقليدية بالاعتماد على الموازنات الجديدة مثل موازنة البرامج والأداء والمحاسبة أو الموازنات الصفرية، مفيداً أن الوزارات تسعى قبل نهاية العام المالي لصرف كل اعتماداتها رغبة منها في عدم إعادتها لوزارة المالية، لاعتبارات، أهمها أن أي وزارة لا يمكنها استعادة أموالها الفائضة من السنة المالية المنصرمة، مما يرفع مستوى الصرف العام. وأكد باعجاج أن بعض أبواب الصرف تتمتع بوفر مالي عال نهاية العام، مقابل أبواب أخرى صرفت كل اعتماداتها المالية في فترة أقل من 6 أشهر. وقال إن المملكة صرفت على مشاريع حيوية خارج الميزانية مثل الإنفاق الكبير على مشاريع البنى التحتية ومصروفات الحج ومشاريع توسعة الحرمين الشريفين، مما شكل حجم إنفاق مهول مقابل ضعف رقابي، مما أسفر عن تقييم المشاريع بأعلى من قيمتها المالية وتكاليفها، مما يعني وجود إشكالية أخرى يجب معالجتها. وشدد على أن من الأسباب الهامة باعتماد كافة المصروفات للبرامج التنموية داخل الميزانية رفع مستوى التقديرات الإنفاقية إلى مستويات تتناسب مع الإنفاق الفعلي باستثمار الاحتياطيات في الداخل، مشيراً إلى أن كل الدراسات تدلل على عدم مناسبة العائد من الاستثمارات النقدية في الخارج، مقارنة بحجم الأموال المستثمرة هناك، مؤكداً أن الاستثمار في ضخ المشاريع الحيوية وفتح فرص بناء الاقتصاد المحلي وتنويع الأعمال وخلق الفرص الوظيفية يشكل عائداً أعلى مادياً من استمرار الاستثمار الخارجي. وبين باعجاج أن المقارنات بين التنمية في المملكة والبلدان الأخرى قد تعطي نتائج غير دقيقة لاختلاف تنمية وتطور المجتمعات، لافتاً إلى أن دول أوروبا وأميركا تعمل على تطوير الخدمات وليس على بنائها، فيما المملكة تشكل بناء الخدمات الأساسية وتسعى إلى تطويرها، خاصة أن نسبة السكان ومعدلات النمو تفرز ضغطاً كبيراً على كافة الخدمات في المستقبل المنظور والمدى البعيد. وأفاد أن مساحة المملكة القارية تدعم التوجه نحو الاستثمار في الداخل المحلي، لأن كل مبلغ ينفق يعود بالنفع على المواطن والدولة ويعد استثماراً حقيقياً. وذكر باعجاج أن المطلب الأساسي اليوم هو استمرار ضخ المشاريع بنفس الوتيرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة بوضع الالتزامات المالية لكل مشروع في بنود خاصة لضمان التنفيذ والمحاسبة لتحقيق هدف القيادة برفع معدلات التنمية الشاملة العادلة في كافة مناطق المملكة. خلل واضح بدوره قال الخبير الاقتصادي الدكتور أسامة فلالي إن اتساع الفارق المالي بين المتوقع في الميزانية والمصروفات الفعلية يعد خللا كبيرا في التقديرات أو في التخطيط أو لصعوبة التحرك المالي داخل أبواب الميزانية، مشيراً إلى أن اعتماد المملكة على بيع النفط الخام بنسبة تصل إلى 90% من إجمالي الإيرادات منذ 30 سنة يكشف عمقا آخر، مؤكداً أن أسواق النفط العالمية تفرض تداول النفط الخام شراءً وبيعاً، لأن الدول المستوردة تملك القيمة المضافة للمنتجات النفطية، مما يعني احتياجا ملحا للدخول في الإنتاجات ذات القيمة المضافة محلياً. وربط فلالي بين حركة أسواق النفط والميزانية السعودية، بحيث تضع متوسط معدل متحفظ جداً على أساس سنوي لسعر برميل النفط الخام لبناء الموازنة العامة، وبالتالي تصنيفها في أبوابها الأربعة التي تتطلب نفقات فعلية غير المقدرة سابقاً. وتابع قائلاً إن ارتفاع المصروفات النقدية بحجم أكبر بكثير من المقرر يوضح أن هناك إشكاليات تتعلق بعمليات بناء الموازنة أو طرق صرفها، مما يتطلب دائماً مصروفات خارج الميزانية تعد الأعلى على مستوى العالم. وأضاف أن من المعروف أن الميزانية تعد تقديرات للإنفاق والإيرادات خلال العام المقبل، مؤكداً أن المصروفات يجب أن تبقى في مناطق قريبة من الأرقام المقدرة، لأن مستويات الإنفاق الداخلي لا تتأثر فعلياً بتغيرات أسعار النفط في الأسواق بقدر تغير الإيرادات لاعتمادها على كميات وسعر البيع في تلك الأسواق. وشدد على أنه إذا كانت الإيرادات غير منضبطة لأسباب خارجية فعلى الأقل ضبط المصروفات قبل بداية العام في حدود معينة. وقال إن حجم الإيرادات العالي في السنوات الأخيرة كان يجب أن يدخل ضمن الميزانية على أن تكون مرنة لضبط الإنفاق، مؤكدا أن الضبط يختلف عن خفض أو رفع الإنفاق. وأضاف أن أغلب المختصين يرون أن رفع مستويات الإنفاق المنضبط أفضل في النتائج من إنفاق أقل ضمن مصروفات خارج الموازنات العامة. واتفق مع الدكتور باعجاج في حاجة المملكة لوضع المصروفات الدائمة أو شبه الدائمة أو البرامج التنموية ضمن الميزانية للسنة المقبلة بمعاملة كل ميزانية على حدة، بعيداً عن مقارنة الميزانيات ببعضها لاختلاف المشاريع والتوجهات والإيرادات. وأكد أن المحافظة على مستويات احتياطية عالية عند مستوى معين وتحويل الإيرادات الإضافية إلى برامج مستدامة تعد من الخيارات الأمثل لاستغلال الإيرادات بالطريقة الصحيحة. وقال إن الخبراء يتفهمون أن المملكة ترفع متسويات الإنفاق عند التوقعات بارتفاع الإيرادات دون تضمين تلك البرامج في خطط عامة، مما يرفع تكاليف تلك المشاريع. وأردف أن الدول النفطية والنامية تعد الأكثر تقلباً عند المتغيرات في الأسواق أو الاقتصادات الكبرى لضعف التخطيط على المستويات المتوسطة والبعيدة. وأبان أن المملكة بحاجة إلى تطوير طرق بناء الميزانية بما يتناسب مع اعتمادها على النفط وعلى مستويات الإنفاق العالية في الفترة الحالية. من جهته قال رئيس المركز السعودي لتنمية الصادرات الدكتور عبدالرحمن الزامل إن استمرار ارتفاع المصروفات الفعلية بنسب كبيرة جداً فوق التقديرات يرجع على أن أبواب الصرف لا تتحمل ضخ مزيد من الاعتمادات المالية، بالإضافة على معالجة الاحتياجات بسرعة فائقة. وأضاف أن المملكة عندما ترى حاجة لصرف عاجل على مشاريع من أي نوع فإنها تعتمدها خارج الميزانيات، مما ساهم في رفع المصروفات عن التقديرات. ويرى الزامل أن ذلك أفضل من إدراجها في الميزانية، لأن بعض الاحتياجات لا تحتمل انتظارا من أجل اعتمادها في موازنة مقبلة. وأكد أن حجم الإنفاق على الخدمات والمشاريع الحيوية سواء في المملكة أو حتى في الدول المتقدمة مثل أميركا وبريطانيا لا يحظى بالرضا الكامل، مشيراً إلى أن تراجع الرضا عن الخدمات موجود في كافة دول العالم، مردفاً أن المملكة دخلت بقوة في الاستثمار المحلي باعتماد الأموال على المشاريع التي ستظهر فوائدها خلال السنوات القليلة المقبلة. لكن الزامل أيد الصرف خارج الموازنات، خاصة على مشاريع الكهرباء والمياه والتعليم والصحة والإسكان لاستثمار الاحتياطيات العالية داخل المملكة بعيداً عن الاستثمار الخارجي، مبيناً أن الاستثمار في المشاريع ورفع الاعتمادات سواءً داخل الميزانية أو خارجها غير مؤثر، لأنها في المحصلة أموال للدولة سواءً كانت مقرة أو مستدعاة من الاحتياطيات، مؤكداً أن الأهم هو تطوير الخدمات وانعكاسها على المواطن في ظل وجود رؤوس الأموال الضخمة أو الحاجة للمشاريع.