يبدو أن مجتمعنا وعدد كبيرمن أفراده لايزالون في خلط للأمور، فحادثة نفق النهضة أثارت لدينا قضية هامة وتساؤلاً عمن هو المسؤول؟ رغم ان القضية واضحة ولكننا ونحن نتكلم عن الفتيات نقول فتيات محتشمات وكأن الأمر قد يبرر اعتداء الشباب عليهن ولو لم تكن الفتيات محتشمات. هذه القضية أثيرت حتى في أمريكا «رغم اختلاف الثقافات» خاصة في قضية الملاكم المشهور تايسون عندما اعتدى على فتاة وقال البعض انها السبب لأنها ذهبت معه لفندق وهكذا ولكن القضية هناك محسومة قانونياً دائماً الرجل هو الجاني الحقيقي وهذا ما طبق هنا ايضاً وهو مبدأ تقره الشريعة الإسلامية.. ونستدل على ذلك بالعديد من القوانين والأحكام الشرعية.. فمثلاً لا نستطيع أن نبرر جريمة قتل ونقول والله الضحية قامت باستفزاز القاتل والتلفظ عليه بألفاظ نابية ولذلك تستحق القتل. وهذا المبدأ نستطيع أن نعممه على جميع أمور حياتنا.. وفي حالة تبرج المرأة فهي آثمة ومذنبة ولكن ذلك لا يبيح التعدي عليها فحقوق الفرد مصانة في أي حال من الأحوال فعندما تسور الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه داراً ووجد رجلاً عنده امرأة ووعاء خمر وعندما قال الخليفة الزاهد للرجل يا عدو الله أظننت ان الله يسترك وأنت على معصية فرد الرجل لا تعجل ما أن كنت اخطأت في واحدة فقد اخطأت في ثلاث. قال تعالى «لا تجسسوا» وقد تجسست، «وأتوا البيوت من أبوابها» وقد تسورت، وقال «إذا دخلتم بيوتاً فسلموا» وما سلمت. ثم انه من غير المعقول أن نعطي الضوء الأخضر للشاب بالاعتداء على أية فتاة لمجرد أن شيئاً ما ظهر منها قد يثير غريزته وشهوته أو ان العباءة التي ترتديها مطرزة وكأن شبابنا مجموعة ثيران اسبانيا تثيرهم قطعة القماش الحمراء «أقصد العباءة المطرزة» فينطلقون دون وعي وإدراك لما يقومون به وفي هذا إهانة للشاب الذي نتعامل معه وكأنه عبارة عن مجموعة غرائز حيوانية متحركة تمشي على وجه الأرض من دون ضبط أو توجيه ما تكاد تجد فريستها إلا وتنقض عليها. تخيل ان ابنك خرج للشارع ثم عاد ليقول لك أنه وجد فتاة غير محتشمة في لباسها وبالتالي تحرش بها هل ستقول له «والله يا حبيبي ما فعلته هو عين الصواب». ديننا الإسلامي يطلب من المؤمن ضبط غرائزه والتحكم فيها وتهذيبها.. ألم يرشد سيد الخلق الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب إلى الصوم في حالة عدم استطاعتهم الزواج؟.. أليس هذا دليلاً على وجود المثيرات للشباب في كل زمان وكل مكان؟.. ثم ان غض البصر مطلب شرعي للرجل والمرأة على حد سواء. وهناك فئة ترى ان الفتيات كن من غير محرم وبالتالي لهن دور فيما حصل. بالله عليكم هل يعقل أن يكون مع المرأة محرم أينما تذهب. ثم اين ذلك المحرم المتفرغ أربعاً وعشرين ساعة ليصحب أمه واخواته وزوجته «وربما زوجاته» في ذهابهن لعملهن أو مدرستهن أو خروجهن للمشي أين انتم يا ناس من أرض الواقع؟ وماذا مثلاً عن أم لديها بنات فقط وزوجها متوفى وتعيش معهن وحيدة من أين تأتي بمحرم؟ هل تظل حبيسة البيت هي وبناتها خوفاً من جرح مشاعر الشباب وإثارة غرائزهم وسلوكياتهم البعيدة كل البعد عن قوانين الأرض كلها وفوق ذلك قوانين الشريعة الإسلامية؟.. ثم هل نفرض حظر التجول على بناتنا ونسائنا؟ وكيف نقدم أنفسنا للعالم هل نقول لهم قررنا حبس بناتنا في البيوت لأن شبابنا يجري في الشوارع يبحث عن صيد نسائي ثمين ونحن نقول لهم أننا مهبط الوحي وأننا الأولى من غيرنا في تربية شبابنا تربية إسلامية يشعر فيه كل شاب بأن كل امرأة هي اخته أو أمه ويصون حقوقها ويؤمن بحريتها في ممارسة حياتها اليومية؟ لقد ذكرت في موضوع سابق أننا حتى نحن النساء الأكبر سناً لم نسلم من تطاول الشباب علينا ونحن في سياراتنا. ان للمنطق حدوداً ثم هل تتحول شوارعنا وأسواقنا إلى غاية مليئة بالذئاب؟.. فكروا قبل أن تقرروا من المسؤول.. وللحديث بقية.