أتابع ردي على ما أثاره أحد القراء من موضوعات تعقيبًا على مقاليَّ السابقيْن» الأسرى والسبايا»؛ إذ قال: «الرّق والسبايا نقطة سوداء في جبين الإسلام لا مجال لترقيعها» ورددت في الحلقة الماضية عمّا أثاره عن الرق، وسأتوقف في هذه الحلقة عند السبايا، فقد حسمته الآية(4)من سورة محمد، بإطلاق سراحهن بعد انتهاء الحرب إما بالفدية على اختلافها، أو إطلاق سراح بدون مقابل، وما نسب إليه عليه الصلاة والسلام من استرقاق الأسرى، والتسري بالسبايا غصبًا بلا عقد زواج روايات موضوعة؛ إذ من المحال أنّه وهو مبلِّغ الوحي يخالف ما جاء فيه، والدليل أنّ ليس لديه جوارٍ ولا إماء، أنّه كان يرقع ثوبه بنفسه. ولوكان صحابته رضوان الله عليهم لديهم جوارٍ من السبي، لما طلبت فاطمة بنت رسول الله، وزوجة علي كرّْم الله وجهه أن تساعدها خادمة، ثم لم نسمع أنّ لأى من الصحابة أولاداً من جوارٍ وإماء؟ وما ذكر في كتب السير والتاريخ والتفسير عن إباحة الإسلام استرقاق الأسرى والسبايا والتسري بالإماء والجواري من صنع الأمويين، ومن بعدهم العباسيون، ثم العثمانيون ، فما تذكره تلك الكتب عن التسري بالإماء والسبايا يتناقض مع حياته عليه الصلاة والسلام في بيته، التي نقل لنا كتّاب السيرة أنفسهم أدق تفاصيلها، كما لا يتفق مع حياة الخلفاء الراشدين، وسائر صحابته رضوان الله عليهم، بل الصديق رضي الله عنه كان يشتري العبيد والإماء من كفار قريش ليعتقهم ، أمّا ما روى في سنن البيهقي وفي إرواء العليل، وفي المبسوط للسرخسي، وغيرها أنّ لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه إماء يخدمن الضِّيفان كاشفات الرؤوس ، فهي روايات موضوعة لا تتفق مع شخصيته رضوان الله عليه، وهو القائل:»متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا»، فعمر بن الخطاب لم تكن له إلّا زوجة واحدة بعد إسلامه هي أم كلثوم حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي عهده وقعت في الأسر شاه زنان بنت يزدجرد بن أنوشروان أميرة فارسية، واسمها يعني باللغة العربية «ملكة النساء»ولقبت ب «سلافة» وهي ابنة آخر أكاسرة الفرس ، وقد زوّجها الفاروق للحسين بن علي بن أبي طالب باختيارها هي؛ إذ قيل لها:»من تختارين من خطّابك؟» فاختارت الحسين رضي الله عنه، وأنجب منها ابنه علي زين العابدين، فلم يأخذها الخطَّاب رضي الله عنه لنفسه ليتسرى بها، ممّا يؤكد وضع تلك الروايات المنسوبة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبايا والتسري بهن. والذي أود الإشارة إليه أنّ صحة الرواية لا تقاس بمدى صدق وحسن حفظ رواتها فقط، وإنّما تقاس أيضًا بسلامة المتن، وتوافقه مع القرآن الكريم والسنة الفعلية، ومع شخصية المنسوب إليه فعلها، أو قولها. [email protected]