كشف الباحث والمتخصص في تاريخ مدينة جدة الدكتور عبدالله بن زاهر الثقفي عن حقيقة تاريخية جديدة متعلقة بمن قاموا بأعمار محافظة جدة في أوقات زمنية غابرة من تاريخ البشرية متطرقاً في بحثه المميز لعديد من الروايات التي جاءت في بناء وإعمار محافظة جدة وخاصة الرواية التي وردة في كتاب (عبدالقدوس الأنصاري) التي جاءت بقول أن الفرس هم أول من قام ببناء جدة وسكناها (كتاب تاريخ المستبصر),نافياً بعض ما تم تناقله مؤخراً بأن أخوة الصحابي الجليل سلمان الفارسي هم من قاموا ببناء سور جدة,ورداً على ما ذكره الدكتور عدنان بن عبدالبديع اليافي مؤخراً في أحد وسائل الإعلام بأن أخوان الصحابي سلمان الفارسي قاموا ببناء أحد أسوار مدينة جدة,محذراً من مثل هذه المعلومات التي يتم تناقلها والتي تزيف وتحرف التاريخ على حد تعبيره,ووصف تلك المعلومات بأنها معلومات مغلوطة جانبت الصواب تماماً. وبين الدكتور الثقفي والحاصل على شهادة الدكتوراه بتقدير ممتاز من جامعة أم القرى عن رسالته العلمية التاريخية بعنوان:العمارة بمدينة جدة في العصر العثماني,دراسة تاريخية حضارية,بأنه وبعد البحث والدراسة توصل إلى أنه وبالرغم من القيمة العلمية لما أورده (ابن المجاور)من وصف للمدن التي زارها، إلا أن في كتابه (تأريخ المستبصر) العديد من الروايات التي تخص تاريخ جدة , لا يمكن أن يؤخذ بها إلا بعد البحث والدراسة, فبعضها يسبقها بكلمة “يُقال” والبعض الآخر ترده من منامات يراها أثناء نومه, فلا يتورع عن تضمينها في كتابه، وما كنا لنقف عندها لولا أنها أصبحت وللأسف تردد وكأنها حقائق تاريخية في كثير من الكتب والرسائل العلمية. وأشار الدكتور والباحث عبدالله الثقفي في سياق حديثه بأنه ومن هذه الروايات ما أورده أن موسى بن مسعود النساج الشيرازي روى له: أنه لما أسلم سلمان الفارسي تسامع أهله بالخبر فقصدوه , وأسلموا على يد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) (وسكنوا جدة لأنهم كانوا تجاراً), مؤكداً اطلاعه على كتب السيرة وأخبار الوفود فلم يجد خبر هذا الوفد, لافتاً بأن أهل سلمان لم يكونوا تجاراً بل مزارعين من قرية يقال لها (جيِ) بأصبهان، مستشهدا وصف سلمان الفارسي أباه “ بدهقان قريته”، أي شيخ القرية العارف بالفلاحة, وما يصلح به الأرض, يلجأ إليه الفلاحون هناك. وأردف الدكتور الثقفي في سياق قوله:لم يرد في كتب السيرة, والمغازي, والفتوحات التي حفظت لنا جل أحداث التاريخ الإسلامي, أي دور للفرس من أهل سلمان في الجزيرة العربية، أو ذكر لسكناهم جدة , بل إن سلمان الفارسي نفسه وُلي المدائن بعد فتحها في عهد عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) , وعاش فيها حتى وفاته في عهد عثمان بن عفان(رضي الله عنه). موضحاً بأنه قام بالبحث عن هذا الراوي المدعو (موسى بن مسعود النساج الشيرازي) ولم يجد له أي ذكر في كتب التراجم أو الطبقات أو الأعلام, مما يدل على أنه ليس من الرجال الثقة الذين تؤخذ عنهم الأحاديث والروايات. وبين الدكتور الثقفي بأن لابن المجاور قول آخر انفرد به, وتناقلته العديد من الكتب والدراسات, وهو أن جدة هي من بناء«خسرو بن فيروز بن يزدجرد بن شهريار بن بهرام», واكتفى بذلك, فظن البعض من الباحثين أن (خسرو) ما هو إلا من كان يعرف بأنه كسرى أنو شِروان (531م - 579م), ومنه توصلوا إلى أن جدة قد سبق بناؤها من قبل الفرس في القرن السادس الميلادي, أي في الزمن الذي وافق حياة والد الرسول عبدالله بن عبدالمطلب, وولادة النبي كانت في آخر أيامه. مشدداً بأنه أمر لم تورده أي من الكتب التي تعنى بالتاريخ القديم للجزيرة العربية,مبيناً أن تلك الفترة وما سبقها قد تم توثيق معظم فصولها؛ كغزو الحبشة لليمن, وهجوم أبرهة الأشرم على مكة, وارتداده إلى اليمن مهزوماً مدحوراً, ومحاولة ملك اليمن الاستعانة بالبيزنطيين وفشله في ذلك, ونجاحه في الاستعانة بالفرس لطرد الحبشة. مشيراً بأنه ولو كان الفرس يبحثون عن ميناء صالح لانطلاق هجماتهم على مصر وبلاد الشام لكان ميناء الشعيبة أو ينبع أصلح لرسو سفنهم،مضيفاً بأنه لو أنهم عاشوا في جدة في تلك الفترة لما تركوا التجارة بيد قريش، ولوجدنا ذلك الحدث الخطير موثقاً في أشعار العرب التي كانت مرآة صادقة لحياتهم، ولم تغفل عن تفاصيل أيامهم وحروبهم وأخبار ملوكهم وسادتهم. وخلص الدكتور والباحث في مجال التاريخ عبدالله الثقفي بقوله :يبدو أن أساس هذا الخلط يعود الى اسم الشخص الذي ادعى ابن المجاور أنه بنى جدة وهو«خسرو بن فيروز بن يزدجرد بن شهريار بن بهرام » بالرغم من أن اسم كسرى هو « كسرى بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد الثاني بن بهرام بن يزدجرد الأول» ، ولو أمعنا النظر للاحظنا الاختلاف بين الاسمين, ولو كان ابن المجاور يقصده لكان من السهل عليه وعلى القراء أن يشير إليه بما عرف به في التاريخ بكسرى أنوشٍروان، بل إن يزدجرد الثالث ت(32ه/ 651م ) كان يسمى بيزدجرد بن شهريار، وكان أحد أبنائه يسمى فيروز ومن نسله كان من يسمى خسرو، ولو أوغلنا البحث في كتب التاريخ لوجدنا أن أحد ملوك بني بويه، من الذين ينتسبون إلى يزدجرد بن شهريار, كان يسمى خسرو بن فيروز، وتتوافق فترة حياته مع الفترة التي أجمع المؤرخون على سكنى الفرس لجدة فيها، وهي من بداية القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، إلى منتصف وأواخر القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي. وليس المقصود البحث عن أصل خسرو بن فيروز, فأقوال ابن المجاور تخلو من التوثيق خاصة إذا كانت تتعلق بالأسماء والأنساب، بل الغرض مما سبق هو نفي أن يكون ابن المجاور قد قصد أن يشير إلى أن للفرس أي علاقة ببناء جدة في القرن السادس الميلادي.