أكد عدد من الأكاديميين الشرعيين أن إجماعاً واسعاً بين علماء المسلمين انتهى إلى أن «الرق» في العصر الحديث أصبح مُلغى وغير شرعي. ناهيك عن أن الإسلام منذ أيامه الأولى قنّن مفهوم السبي، واعتبره وسيلة لا غاية، ورأى بعضهم أن إنزال تطبيقات القرون الأولى على العصر الحالي يتنافى مع روح الشريعة، لكن آخرين على رغم ذلك نبهوا إلى أن نفي السبي في الإسلام نهائياً يعد كذباً، لأن هناك أدلة من القرآن والسنة تؤكد وجوده! يأتي هذا الجدل بعد انتشار مقطع قديم لعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان يؤكد أن «الإسلام لم يحرّم سبي النساء»، معتبراً أن «من يقول بتحريم السبي جاهل وملحد»، وتم توظيف المقطع وكأنه تأييد لما يقوم به «داعش». من جهته، أوضح الأكاديمي في جامعة الأمير سلطان الدكتور حمزة السالم، أن الإسلام أقر السبي، وقال: «نحن نكذب على الدين إذا قلنا إن الإسلام ينكر السبي». وأكد ل«الحياة» أن السبي ثبت في الحروب وما بعدها، وأن مفهوم المن (العفو وإطلاق الأسير) والفداء نزلت آيته في معركة بدر، ومسألة العفو والفداء بيد إمام المسلمين. وشدد على أن الإسلام نظّم مفهوم السبي الشرعي، وحث على أشياء تسهم في إطلاق الأسير، معتبراً الحضارة الإسلامية من أكثر الحضارات التي توسعت في مفهوم السبي. ونبه إلى أن ما يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) غير شرعي، فالسبي مثل الجهاد يدخل ضمن الوسائل وليس الغايات، وشبه السبي بركوب الخيل، «كان وسيلة جيدة في زمن مضى، لكنه غير مجد الآن»، وأكد أن «إنكار السبي لا ينفع لكنه يعد من الوسائل وليس الغايات». السبي ثابت في الشريعة! وأكد رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكةالمكرمة سابقاً الدكتور أحمد الغامدي أن السبي هو الاسترقاق وحكمه ثابت بنصوص الكتاب والسنة وعمل رسول الله ولم يرد ما ينسخ ثبوته، وقد شاع في أمم الأرض كلهم قبل الإسلام، لا فرق عندهم بين أن يؤخذ السبي في حرب عادلة أو عدوان ظالم أو احتيال بأخذ الحر غدراً وبيعه، وأضاف: «جاء الإسلام فضيق سببه وحصره في ما أخذ عن طريق الجهاد الصحيح المشروع تحت راية سلطان مسلم، ثم سعى لتحرير الرقيق بأمور كثيرة بالمن والفداء والكفارات بأنواعها والمكاتبة كما قال تعالى: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)، والعتق وفيه آيات كثيرة ترغب ترغيباً ظاهراً فيه، هذا كله مع الحث على الإحسان إلى الرقيق وإطعامهم وكسوتهم وتعلميهم وإعانتهم وشرع كثيراً من أسباب العتق التي تشعر بأن الرق غير مقصود لذاته». وقال: «وإنما شرع لصلاح المسترق وحين يعلم صلاحه فقد شرع فيه أسباب التحرر الكثيرة ومنها العتق الذي رغب فيه وعظم الفضل والثواب عليه ويسري في السبي البيع والشراء ممن يملكه ملكاً صحيحاً معترفاً به شرعاً، وكذا الهبة والوصية والصدقة والميراث وغيرها من صور انتقال الأموال من مالك لآخر، ولو كان من باع الرقيق أو وهبه كافراً معاهداً أو حربياً ما لم يكن استرقه حراً وهو مسلم أو معاهد، فإذا استرقه حراً وهو مسلم أو معاهد فلا يقر على ذلك ووطء مملوكة اليمين جائز وتزويجها من عبد أو حر مثلها جائز إن لم يجد من الحرائر، وكل ذلك لا يتعارض مع مقاصد الشرع في حفظ الأعراض والنسل وقيم الإنسانية وصلاحها، إذ المقصود به صلاحها لا امتهانها وإذلال بعض الخلق لبعضه الآخر». ولفت إلى أن مشروعية الرق ثابتة بالقرآن والسنة القولية والعملية، ومن ذلك قوله تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها) وغيرها من الآيات كثير والتي تشير لثبوت مشروعية الرق. واسترقَّ رسول الله النساء والذرية من بني قريظة بحكمِ الله الذي أجراه علي لسانِ سعد بن معاذ، وكانت صفية أم المؤمنين من ذلك السبي فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها، ومن سبي بني المصطلق أم المؤمنين جويرية، وهذه كلها أحاديث صحيحة ثابتة وأمثالها كثير والتخيير بين المن والفداء لسلطان المسلمين وليس للكفار كما تقدم في الآية، فالذي يقدر مصلحة ذلك ولي الأمر المسلم عن جهاد صحيح. لا حجة صحيحة في سبي الإيزيديات وحول الكلام عن اليزيدية أو الإيزيدية كطائفة لها معتقد كفري أم لا؟ وهل ينتسبون للإسلام أم لا؟ قال: «كل ذلك أمر يتطلب تحقيقاً وتوثيقاً وليس هذا مما يجب أن يتعاطاه أفراد بآراء قد يعوزها الكثير من الأدلة عند البحث والمناقشة والتدقيق، وما ذكر من زعم جواز السبي فيهم فرع عن صحة رؤية داعش وسلطانه ثم صحة زعمهم الجهاد ثم صحة كون الإيزيدية كفاراً محاربين لا عهد لهم ولا ميثاق، وهذا كله غير ثابت وغير صحيح إنما هو دعاوى مضللة». وبصرف النظر عن كل ذلك «أعتقد أن ما يقوم به داعش فساد في الأرض كبير، بل هو عصابة باغية ظالمة لا رؤية صحيحة لها ولا سلطان، وهو ليس بدولة وإن ادعى أفراده ذلك، وما يقوم به ليس جهاداً بل فساد في الأرض وفتنة وبغي وظلم، وكل ما يستولي عليه من جراء ذلك القتال وإن ادعوا أنه غنيمة هو بغي ونهب وسلب وغصب حرام لا يجوز كله، وفعلهم كله حرام فضلاً عن القول بصحة السبي المزعوم، أسأل الله أن يزيل شرهم عن البلاد والعباد». ويبدو أن وسائل التقانة لعبت دوراً في خلط الكلام، وإسقاطه على وقائع مغايرة، ففي الوقت الذي تعاني فيه بعض النساء الإيزيديات من فكرة السبي لدى الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، تداول عدد من رواد «تويتر» حديثاً سابقاً لعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان حول رأيه في عدم تحريم الإسلام لسبي النساء. الرق حرام حتى قيام الساعة الواضح أن التسجيل سابق لظهور دولة «داعش»، إلا أن تزامن انتشاره مع ما يتردد من سبي رجال داعش نساء الإيزيديات أسهم في إثارة الجدل وانتشاره، على رغم تحفظ خليفة داعش على الأمر وعدم إبداء رأيه تجاهه. اللافت أن طرح الفوزان لا يجد ترحيباً عند المتطرفين، على رغم أن رأيه في السبي ربما يوافق مزاجهم العام، في حين أن سيد قطب (المرحب بأطروحاته عند المتطرفين) حرم الرق! دخول عضو مجلس الشورى الدكتور عيسى الغيث على الخط خفف من حدة الحنق العراقي، على رأي الفوزان، إذ أكد الغيث أن «السبي والرق والعبودية كلها عندي اليوم محرمة حتى قيام الساعة، رضي من رضي وغضب من غضب، والإسلام جاء بحفظ الأعراض لكل البشر». وأضاف: «من أجاز اليوم السبي والرق فلا يلومن غير المسلمين حينما يسبون أمه وزوجته وأخته وبنته ويبيعونهن في سوق الرقيق، وحينها سنعرف حقاً رأيه الشرعي». الباحث في قضايا الفكر سلطان العامر تناول مفهوم الرق والسبي سابقاً في ورقة له، وأوضح أن المبدأ الأساسي الذي يحكم تعامل الإسلام مع كل التعاملات البشرية هو العدل ورفع الظلم. وأمام ظاهرة الرق قام الإسلام بإعادة الاعتبار لشخصية العبد القانونية المنبثقة من المساواة الأصلية، (أنتم بنو آدم وآدم من تراب)، فجعله مكلفاً وفي غالب الحالات التي تم فيها التفريق بين الحر والعبد في الأحكام كان التفريق لمصلحة العبد، كتخفيف عقوبة الزنا عليه من 100 جلدة إلى 50 (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب). وأكد أن الإسلام ألغى حال الاسترقاق الأبدي، وذلك بإلغاء مصادر الرق السابقة كلها، إذ لا توجد في الإسلام أي كفارة أو عقوبة تحول شخصاً حراً إلى عبد، بل العكس هو الموجود فالكفارات والعقوبات تكون عادة بإعتاق العبيد، لا استرقاق الأحرار. كما أن ابن الحر يكون حراً حتى لو كانت أمه أمة، وقام بتحريم خطف الناس وبيعهم عبيداً. في البخاري قال الرسول: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة... ورجل باع حراً فأكل ثمنه..». (البخاري، كتاب البيوع، باب إثم من باع حراً). ونوه العامر إلى تحريم الاسترقاق من الحرب. «وهذه هي التعليمات التي أوصى الله بها المؤمنين عند قتالهم للكفار، يقول تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها). وهذا يعني الآتي: أن على المؤمنين قتال الكفار حتى ينتصروا عليهم، وبعد النصر فهناك طريقين للتعامل مع الأسرى: 1- إما المن، أي إطلاق سراحهم بلا مقابل. 2- أو الفداء. والفداء هنا يتضمن إما مقايضتهم بأسرى مسلمين أو طلب أموال منهم يشترون حريتهم بها، فمن يملك مالاً يشتري حريته بها، ومن لا يملك مالاً عليه أن يعمل لدى المنتصر حتى يستطيع أن يجمع المال اللازم ليحرر نفسه، فلا وجود هنا لاسترقاق أبدي ونهائي. مركز الفتوى هو الآخر تناول مفهوم الرق في إجابة له عبر أحد الأسئلة وقال: «الإسلام لم يأت لتعبيد الناس، وإنما جاء لتحريرهم كما قال ربعي بن عامر - رضي الله عنه - لرستم: «إننا أمة ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة». وجاء الإسلام والرق واقع يحياه الناس قبل ظهور الإسلام بأزمنة طويلة وقرون مديدة، ورغب في التحرير تطوعاً، كما شرعه كفارة لأمور عدة، ومنع جميع أسباب الاسترقاق ولم يبق منها إلا ما كان في الحرب. إجماع إسلامي على إنهاء الرق قال عضو مجمع الفقه الدولي البروفيسور حسن سفر ل«الحياة» إن الواقع والنظرة الاستقرائية تؤكد التعامل الإنساني للدين الإسلامي مع المسلم وغير المسلم، وأكد أن الإسلام تعامل مع سبايا الحرب بالاحترام وأعطاهم الكرامة الإنسانية. ورأى أن إنزال مفهوم السبي على الواقع الحالي يتعارض مع روح الشريعة الإسلامية وإجماع فقهاء الأمة، الذين أجمعوا على إلغائه. وأوضح أن السبايا يأتون من حرب مشروعة، إذا كان فيها تعد على الحقوق والممتلكات وحرمات المسلمين، وشدد على أن الإسلام نظم الحروب. وأضاف: «القوانين الدولية تتفق مع روح الشريعة»، إذ إن العلاقات تبنى على السلم لا الحرب إلا إذا كان هناك تعد على العباد والبلاد. ورأى أن الجهاد يأتي لإعطاء صورة حسنة عن الإسلام ولا يحث على الذبح كما يقوم داعش، ورأى أن داعش يعطي صورة سيئة عن الإسلام بتعامله مع المخالفين، في حين أن الرسول أعتق الجورية بنت الحارث ثم تزوجها وتعامل معها بلطف وإكرام.