الذي ينظر إلى كل هذا التقتيل والتنكيل الذي يلحق بالشعب السوري اليوم على يد جلاديه من الحكام غير الشرعيين، خاصة رأس النظام الذي «فُصِّل» له دستور على «مقاسه» بعد هلاك والده، الذي ينظر إلى كل هذا قد يظن -إن كان خالي الذهن- أن هذا التعذيب والتقتيل والتشريد إنما هو وليد اليوم، بعد أن انتفض الشعب السوري الأبيّ على جلاديه وسفاحيه، الذين جثموا على صدره لأكثر من خمسين عامًا، في ظل شعارات زائفة، ووعود كاذبة، كالصمود والتصدي والمواجهة، «والأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة»، وسوى ذلك ممّا كان ينطلي على بعض السوريين، ولا ينطلي على معظمهم. ولكن مَن عاش في سورية في العقود القليلة الماضية، أو زارها يدرك تمامًا أن هذا التعذيب والتقتيل والسحل والاعتقال، وسوء الحال كل ذلك لم يتوقف ولا ليوم واحد في سورية خلال نصف قرن، فلا يوجد نظام حكم مخابراتي بوليسي في العالم كله يضاهي هذا الحكم العلوي الفاسد في التأريخ، ولا في الجغرافيا، ولم نقرأ أو نسمع شيئًا يشبهه في الدول الشيوعية التي انسلخت عن الاتحاد السوفييتي، ولا في كوبا، أو في أي دولة في جنوب أمريكا، ولا في إفريقيا ذلك في الجغرافيا، أمّا في التأريخ فلم يفعل «نيرون» عُشر ما فعله المسمّى بالأسد. بمقارنة بسيطة بين روماودمشق، ولا يوازي ما فعله هولاكو، ولا جنكيز خان عُشر معشار ما فعله سفّاح سورية، وعلى كل الأحوال فإن السفاحين في التأريخ يبطشون بأعدائهم، وبشعوب أخرى سوى شعوبهم، وتكاد تكون المرة الأولى تأريخيًّا أن يبطش سفاح بشعبه -إن كان هذا شعبه حقًّا- كما قلت مرارًا وتكرارًا، ومجددًا أقول إنه قبل قيام الثورة الجهادية المباركة، كانت سجون المسمّى بالأسد تغصُّ بكلِّ المعارضين له، وتشمل مَن نبس ببنت شفة في معارضته سرًّا أو جهرًا، وقد أُعدم في سجونه خلال السنوات الماضية أعداد لا تقل عمّن قتلوا في الثورة -إن لم تزد عنهم- أمّا مَن شُرّدوا وهُجّروا فهم يملأون دول الجوار، وفي المملكة وحدها مئات الآلاف منهم، ومنهم مَن قضى حتى الآن عشرات السنين بعيدًا عن وطنه وأهله، ومنهم مَن حصل على جنسية أخرى. ويخشى هؤلاء العودة منذ عشرات السنين؛ كي لا يُقبض عليهم، ويُنكّل بهم. أمّا القتل الجماعي، وتدمير مدن بأكملها، فقد حصل قبل ذلك على مرأى ومسمع من العالم كله، حين سحل الأب المسمّى بالأسد كذلك أهل حماة، ودكّها بالطائرات، وسوّاها بالأرض في مطلع الثمانينيات، بعد أن أوشكت ثورة شبيهة بالثورة الحالية أن تنجح في سورية. وذكرت المصادر أن أكثر من خمسين ألفًا من السُّنّة قتلوا في حماة وقتها. ذلك إن كنا نتحدث عن التقتيل، والتخريب، والسحل، والتنكيل، أمّا عن سوء الحال، وضيق ذات اليد، وانعدام الخدمات، والتخلّف عن الركب الحضاري فحدّث ولا حرج، إذ إن دخل الفرد السوري خلال العقود الماضية -في عهدي الأب والابن- كان أقل دخل في المنطقة العربية، ولا يتجاوز راتب الموظف مائة دولار بحالٍ من الأحوال، ورغم أن تكاليف المعيشة كانت منخفضة في الماضي، إلاّ أنها أصبحت في السنوات القليلة المنصرمة مرتفعة بشكل ملحوظ، حتى أن رب العائلة لا يستطيع توفير المتطلبات الضرورية لعائلته. أمّا الخدمات فمنعدمة، فمثلاً بسبب النظام الشيوعي المعدل في البلاد، لم تكن هناك بنوك يمكن أن يودع فيها المواطن أو المقيم أي مبالغ، وأذكر أن أحد طلابي السعوديين كان يعمل في السفارة السعودية في دمشق، وكان يودع ماله في خزنة حديدية صغيرة داخل السفارة؛ لعدم وجود بنوك، ولم تدخل خدمة الجوال إلى سورية إلاّ قبل فترة قصيرة متأخرة عن كل الدول العربية قاطبة، وإلى عهد قريب كان استيراد السيارات محظورًا تقريبًا، وكانت كل السيارات تعود إلى فترة الخمسينيات، والأربعينيات، وسوى ذلك؛ ممّا لا يمكن وصفه أو تخيّله. أقول ختامًا: إن معاناة السوريين مع جلاديهم وسفاحيهم ليست وليدة اليوم، ولكن النصر بات قريبًا جدًّا لينسى السوريون ما كان من السفاح الأب والسفاح الابن. [email protected]