في كل لغات العالم ليس هناك ما يعادل مفردة (المحبة) في اللغة العربية. المحبة في اللغة العربية تعني أقصى درجات الحب غير المشروط. وأقصى درجات الحب التي أقصدها ليس لها علاقة بالعشق أو التعلق أو الشغف أو باقي أشكال وحالات الحب المعروفة في العلاقة بين المرأة والرجل. المحبة تعني امتزاج مشاعر الحب بالرحمة والإحساس بالمسؤولية والقدرة على الغفران والاستعداد للتسامح والقابلية للتفهم والتقبل والاحتواء. المحبة تعني انتفاء الكراهية، والسمو بالروح، والفناء في الذات الإلهية، والتعالي على الصغائر، وترويض النزعات والدوافع السلوكية البدائية، وصقل الملكات الروحية والوجدانية. المحبة حالة روحية قبل أن تكون حالة وجدانية أو شعورية. ولذلك تتميز المحبة عن الحب بكونها منهجا سلوكيا عاما ينطلق من درجة عالية من درجات التهذيب الروحي. الذين يشعرون بالمحبة لا يشعرون بها بناء على وجود أسباب أو مبررات أو شروط كما هو الحال مع من يشعرون بالحب. الحب بطبيعته شعور مشروط بتوفر أسباب معينة، وهذا يعني أنه يمكن أن يتلاشى أو ينقلب إلى النقيض في حال انتفاء هذه الأسباب أو في حال حدوث أي تغيير يطرأ عليها. الحب يمكن أن يتحول بسهولة وبأسرع مما نتوقع إلى كراهية. أما المحبة فلا يمكن أن تتحول إلى نقيضها الموضوعي، لأنها وببساطة شديدة لا تمتلك مثل هذا النقيض. المحبة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تتأثر بالعوامل الخارجية. المحبة لا تزيد أو تنقص لأنها غير مرتبطة بأسباب خارجية تساهم في تعميقها أو تسطيحها أو إشعالها أو إطفائها، لأن المحبة لا تنطلق من دوافع تتعلق بالملكية كما هو الحال مع مشاعر الحب التقليدية. يقول جبران في كتابه (النبي) (لا تملك المحبة شيئا، ولا تريد لأحد أن يملكها، لأن المحبة مكتفية بالمحبة). كم أشعر بالحب تجاه لغتنا التي قادتني إلى فهم المحبة.