هياء مبارك الشهراني (60عامًا) لم يعد لها من اسمها نصيب، ملامح وجهها تكشف قسوة الألم وجحيم المعاناة في صراعها مع الحياة من أجل البقاء، تتشابه أيامها وتتوالى السنون ويبقى الحال كما هو عليه، قابعة خلف جدران النسيان في مملكة الإنسانية!!. في بيت بسيط استأجرته في أحد أحياء خميس مشيط بمنطقة عسير بمبلغ (650) ريالًا شهريًا.. وفي إحدى زواياه المطرزة بالاثاث البائس جلست المسنة لتحكي لي قصة بؤسها ومعاناتها التي تبرزها علامات الكفاح والشقاء البادية على وجهها المتعب من جور الحياة ومتاعبها، رمقتني بنظرة بائسة من نظراتها، ثم حركت يديها بصعوبة ولم تتحدث كثيرًا.. حاولت تحريك شفاهها بابتسامة تفرج أساريرها، لكن “لغة الكلام” تعطلت على لسانها، حاولت معها لتبدأ السرد أقنعتها بضرورة ذلك لأنقل معاناتها لكل صاحب ضمير وانسانية، اعتدلت في جلستها وكفكفت دموعها وقالت: “أنا راضية كل الرضى بما قسم الله لي في هذه الحياة التي أدرك أنها صعبة وثقيلة كالجبال الرواسي على من كان في مثل حالتي، توقفت “هياء” عن الحديث لبرهة ثم أعادت لتواصل السرد عن معاناتها وابنائها، ولكن هذه المرة كانت العَبرات المتدفقة من عينيها تكفي لوصف حالها، حيث أحرقت بها رباطة جأشي التي كنت أحاول اظهارها أمامها رغم تأثري بما أسمع وأرى وقالت: البشر من حولي لا يدركون معاناتي ولكن عزائي الوحيد أن حالي يعلم به (فاطر السموات والأرض) وهو نعم المولى ونعم النصير، وأضافت: “والله لا املك في هذه الدنيا الا الدعاء لرب العالمين أن يفرج عني، فهذه قسمتي ونصيبي في الحياة، نحن هنا نعيش الفقر، والمرض، الحال يا بنتي (يكفي عن السؤال).. !! واستطردت: أنا مواطنة تزوجت من رجل (يمني الجنسية) منذ كنت طفلة في التاسعة من العمر آنذاك رزقني الله منه ب (6) أبناء ثلاثة منهم على قيد الحياة وهم: خالد (35) عامًا ومحمد (30) عامًا ومسفر (29) عاما وثلاثتهم بين مريض ومعاق وعاطل.. وخالد ومحمد تعرضا لحادث مروري أفقد أحدهم الوعي والآخر اصيب بالاعاقة.... أما الثلاثة الآخرون فقد فاضت أرواحهم الى السماء منذ أمد، وتابعت أبنائي من الأب اليمني.. (توفي والدهم) ولا يوجد لديهم أي وثائق سوى شهادات الميلاد السعودية.. ويحتاجون إلى جوازات وإقامات.. كما أن ابني (مسفر) هو الوحيد الذي يتمتع بصحة طيبة لكنه لا يستطيع العمل، نظرًا لأنه لا يوجد لديه هوية وحرم من التعليم النظامي ولكنه تعلم في محو الأمية وكان ترتيبه الأول على مستوى المملكة وله طموحات، ولكن اندفاع ذلك الطموح توقف عند حاجز الهوية المفقودة. وتضيف بعد طلاقي من والدهم تزوجت بمواطن، أنجبت منه (4) بنات (مجهولات الهوية) لم يتم إضافتهن في السجل المدني.. (خ) الشهراني (18) عامًا،(ز) (16)، (ز)، (14) عامًا و(م) (9) سنوات.. وهن مجهولات الهوية أيضًا.. ليس لديهن شهادات ميلاد وغير مضافات في السجل المدني لوالدهن الذي هجرنا ويقيم عند زوجته الثانية، وغير مبالي بنا حتى إصابته بالسرطان حيث يرقد حاليا في مستشفى التخصصي بالرياض طريح الفراش وأنا هنا معلقة!! ولم يتم قبولهن داخل المدارس.. وبنتي الصغيرة (9) سنوات تدرس في محو الأمية بطريقة خاصة. صك الطلاق وعن دور الجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي تقول (هياء)..الجمعية الخيرية بخميس مشيط توقفت عن تقديم المعونات، حيث إنهم يطالبونني بصك الطلاق. كما أنني تقدمت بطلب للضمان الاجتماعي منذ حوالي (3) أشهر والى الآن لم أجد منهم أي رد..!! وتستطرد بحسرة وألم قائلة: أنا أكافح.. من أجل بناتي وأبنائي المرضى ولا أستطيع سوى توفير لقمة العيش من خلال أعمال شاقة أقوم بها منذ ساعات الصباح الباكر. فلا مسكن ولا سيارة ولا عائل يسعى لتلبية احتياجاتنا.. أستصرخ الضمائر الحية لتعينني على هذا الحمل الثقيل الذي لا أقوى عليه وانا في هذا العمر، مبدية تساءلها بالقول: ما ذنبي الآن وأطفالي اليمنيين والمواطنين.. “أب يمني طلقني وترك أبناءه وتوفي وهم لا يعرفونه.. ومن أب مواطن متمرد تجرد من الإنسانية والأبوة وترك أربع بنات (مجهولات الهوية) فلا يوجد معي إلا بطاقتي الشخصية وإقامات وجوازات منتهية الصلاحية. وأضافت أناشد عبر “المدينة” الجهات الرسمية في المملكة والسفارة اليمنية وحقوق الإنسان حل مشكلتي واثبات هويتي هي وأطفالي.. والتوجيه بقبولهم في المدارس الرسمية خصوصا البنت الصغرى. لا تقتلوا الطفولة الطفلة (زهبة) بكل براءة الطفولة وقدسيتها تقول: نفسي ان التحق بالتعليم العام وأدرس، ونفسي أعرف أن عندي أبا، فحياتنا بؤس وحرمان ونحن نعيش على صدقة الجيران الذين يعطوننا “أكل وملابس” والدتي مريضة وكثير ما نبكي في الليل وننام وبطوننا خاوية إلا من رحمة الله وأضافت: “أمانة عليك قولي لأهل الضمائر الحية لا تقتلوا براءتي فأنا طفلة اريد الحياة مثل اطفالكم اريد ان اتعلم بمدارس الوطن واعيش مثل كل الاطفال. ------------------------- حقوق الإنسان: الجمعية مهتمة بقضية هياء وأبنائها وستعمل على حلها من جهته أكد مصدر مسؤول في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن الجمعية.. بدأت تتابع القضية وستتولى المساعدة ومتابعة الجهات المختصة بما يكفل حقوق الأبناء اليمنيين وتصحيح أوضاعهم والبنات السعوديات التي لم يثبت لهم هوية وسيتولى القسم النسائي بالجمعية الوقوف على الطبيعة ومعرفة ملابسات القضية. إلى ذلك قال الشيخ أحمد بن مشبب بن عطيف رئيس جمعية البر الخيرية بمحافظة خميس مشيط إن لديهم حالات كثيرة يقدمون الدعم والمساعدة لها وان مثل حالة (هياء) يشترط ان يكون هناك اوراق ثبوتية اذا كانت مطلقة، او على رب الاسرة مراجعت الجمعية وسيتم ادراجها من ضمن الحالات، طالبا من (هياء) مراجعة الجمعية لدراسة حالتها ومراجعة السجلات لمعرفة إذا كان قد تم مساعدتها ام لا..