من خلال التأمل حول قضايا المجتمع يلفت انتباهنا في الآونة الأخيرة الكثير من المواقف التي تجسد الفرق بين العيش والتعايش.. فهل الأوطان والمجتمعات يعيشون أم يتعايشون؟ أصبحنا نصطدم كثيرًا بكبرياء العقول التي اختارت العيش باحتكار الصواب دون التعايش.. ولو تساءل البعض عن ماهية كبرياء العقول سأجيب هي من أهم الأسباب لما وصلت لها مجتمعاتنا من تنازعات وخلافات في جميع مناحي الحياة، فهي تشبث العقل برأيه حفاظًا على كبريائه متجاهلا عقول الآخرين. كبرياء العقول.. يجدر بنا اليوم الإشارة إلى هذا النوع من العقول حيث إنها تشكل نوعًا مهمًا من العقول والذي قد يكون عقل مفكر مبدع ولكن قد ينحني منحنى احتكار الصواب والذي يتسبب بدوره في خلق مشاكل كبيرة على أصعدة عديدة في مختلف جوانب الحياة.. فهذه العقول تتصور بأنه إذا لم تحافظ على رأيها (صوابها المحتكر) أمام العقول الأخرى فهذا يعتبر اهانة لها، فترفض تقبل الاختلافات، تقبل الآراء، إضافة إلى رفضها الشديد لتقديم التنازلات من باب كبرياء العقول بل كرامة العقول. أنا لا أقول ألا نعتز بآرائنا وندافع عن قناعاتنا ولكن الأهم هو أن لا نعيش مع احتكار صوابنا بل نتعايش مع احترام آرائنا، فالفرق كبير فالأولى هي أن نعيش مع عقولنا وآرائها فقط ولا نتعايش مع عقول الآخرين، والثانية هي أن تتعايش العقول مع بعضها البعض تتقبل اختلافاتها وتؤمن قبل كل ذلك بحتمية وجود هذا التفاوت والاختلاف لتقدم التنازلات الذي بدورها ستبدد التنازعات بين العقول على جميع أصعدة الحياة. علينا أن ندرك بأن عقول الأوطان والمجتمعات والأفراد ليسوا بحاجة إلى اتفاق كامل بل تحتاج إلى التعايش بالحد الأدنى من الاتفاق فحينها ستصل إلى السلم والرقي في آن واحد. سأختم قولي بدرس علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من 1400 عام صور لنا فيه حلا جذريا والذي حقيقة لو عملنا بما علمنا إياه لتفادينا الكثير.. عن أَبي أُمَامَة الباهِليِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: أَنا زَعِيمٌ بَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا.