الذين تمسكوا بأرضهم من الفلسطينيين، ورفضوا الهجرة، ولم يقبلوا أن يكونوا لاجئين يعيشون في مخيمات في الدول المجاورة، أو أن يكونوا مشردين في شتى بقاع العالم؛ لم يفعلوا ذلك إلا لإبائهم الذي لم ينكسر، ولحفظ كرامة أنفسهم، ولحبهم الشديد لأرضهم وتمسكهم بتراب الوطن. لقد قبلوا بأن يكونوا في فلسطين تحت ظلم الإدارة الصهيونية وتعسفها؛ من أجل ذلك الكيان الفلسطيني الغالي، فتشبثوا بديارهم مهما كان الجور، واستمروا يناضلون مهما كانت قسوة الاحتلال الباغي، وديمومة ضغطه عليهم لأن يغادروا وطنهم السليب. هناك حب نادر امتزجت فيه عناصر الإنسان والتراب والزيتون والهوية والتاريخ والشهامة، هو الذي منع قلوبهم وعيونهم من أن تتباعد تلك العناصر عنهم، ومن أن يقوم فراق بين بعضها بعضًا؛ فتشبّثوا بكيانهم وأرضهم وإبائهم. ولعل من أقوى الأمثلة على ذلك - التي شاهدها العالم مؤخرًا تمسك عائلة «التميمي» بأطفالها بناتٍ وأبناءً مع والديهم بأرضهم التي لم يقبل أولئك الأطفال منهم لأن تدنس أقدام جنود القوة العسكرية شبرًا واحدًا منها. فكان الرد الجائر ممن اعتدى على وطنهم السليب وتاريخهم وترابهم؛ بتكسير عظام أطفالهم وإلقاء القبض على إحدى بناتهم، التي ما تزال طفلة، وسجنها لمحاكمتها وتأديبها، بعدما سجنوا من قبل والدها ووالدتها وإخوانها. لا شك في أن لعائلة «التميمي» حالات مماثلة، وربما أشد قسوة منها، ولكننا لا نعلم شيئًا عن أولئك المناضلين الذين تمسكوا بأرضهم وتاريخهم وهويتهم. وإنه لمن المؤلم اليوم أن نرى بعض مثقفينا وسياسيينا وآخرين غيرهم - في بلداننا العربية - يسعون جاهدين وبلا مواربة أو خجل أو قناع ساتر، لأن ننسى كل ذلك الظلم من الذين اغتصبوا أرضنا، وشردوا أهلنا من ديارهم ومساكنهم، واضطهدوهم على مدى سنوات طويلة. أنصالحهم ونصادقهم بعد كل ذلك الحيف منهم، ونسعى لاسترضائهم، ونأسف على ما فات من عداوة بيننا وهم ما يزالون مغتصبين للأرض، ومشردين للإنسان؟ كيف نطبّع العلاقات السياسية والتجارية وغيرها معهم؛ لادعاء أولئك بأن الكيان الصهيوني لم يمسسنا في أراضينا وديارنا العربية بسوء؟ أفبعد كل ما فعلوه بفلسطين وبإخواننا، وبعد الدماء والحروب التي دارت بيننا؛ ندعو لذلك؟ لو فعلناه فإنه خيانة وهوان ما بعده هوان.