عبدالله نور رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته في الفردوس العظيم.. كان (مدرسة) لها بريق وصدى بعيدان..! أبو عبدالرحمن واحد من (الصعاليك) الذين أطربونا بكلمات جميلة وعبارات شيقة وأسلوب ماتع وأدب جَمّ..! أبو عبدالرحمن صال وجال في ردهات ودهاليز الأندية الثقافية والأدبية السعودية لعقود أربعة من زمننا المليء بكوكبة من الأدباء والمثقفين وحملة الأقلام الساخرة الماتعة..! أبو عبدالرحمن رحمه الله وطيب الله ثراه، تعب في حياته التي تجاوز عدد سنينها السبعين، سخر من مواقف ومشاهد كثيرة، كانت له دروساً لا تُنسى وعظة لا تمحى..! كان أول لقاء لي معه في مكتب الصديق المرحوم أبو عبدالعزيز فهد العلي العريفي، عندما كانت مؤسسة اليمامة الصحفية تقبع في عمارة صغيرة بشارع الفرزدق بالملز.. وعندما أراد المرحوم الصديق الغالي أستاذنا العريفي أن يعرفه بي قائلاً: هذا أبو هشام الاقتصادي الخبير البترولي السعودي، ضحك المرحوم عبدالله نور، وقال: يا أبو عبدالعزيز من منا لا يعرف هذا الرجل، وأشار إليَّ.. إنه (المشاغب) لشركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) الذي أتعبها في تلك الحقبة التاريخية من الزمن - الخمسينيات والستينيات الميلادية من القرن العشرين الميلادي الماضي - لأنه كان يكتب مقالاته عن أرامكو تحت اسم: أرامكو وامتياز الزيت بقلم (خبير)..!! التقيته مرة وأنا خارج من مبنى مؤسسة اليمامة الصحفية، وكنت بصحبة المرحوم العريفي، وكان الرجل يومها مريضاً ينوي مراجعة الطبيب الإخصائي في المستشفى، وعلامات الإعياء والمرض تكسو وجه وأطراف المرحوم أبي عبدالعزيز بسبب دور البرد والإنفلونزا الشديدة، وكان المرحوم أبو عبدالرحمن يمشي الهوينا على رجليه متجهاً إلى المبنى، وعندها وبدون مقدمات قال لي المرحوم أبو عبدالرحمن: معاك يا طاشكندي مائة ريال سلف.. فأنا قد نسيت المحفظة الخاوية في بيتي.. فضحكنا جميعاً وأعطيته بكل المحبة المائة ريال..! وفي يوم آخر كنت أسير على قدمي في شارع العروبة بالرياض، وصدفة التقيت المرحوم أبا عبدالرحمن، فبادرته بالسؤال عن الصحة والأولاد، وطلَّعت المحفظة من جيبي وبدون أية مقدمات قلت له: هذه مائة ريال يا حَبُّوب؛ لأنك بالتأكيد قد نسيت محفظتك في بيتك..!؟ فضحك ورد فوراً: والله انت ذكي يا أبو هشام..! ذكريات مضت.. وما أحلى الذكريات.. كانا الصديق العزيز أبو عماد إبراهيم الناصر الحميدان، هو رابعنا: المرحوم أبو عبدالعزيز والمرحوم أبو عبدالرحمن وأنا نجتمع في منزل أحد الأصدقاء في يوم إجازة.. وكنا نستمتع بأحاديثه وكلماته الحلوة، وكان دائماً يشكو حظه وزمنه، ويردد: والله لو كان عندي مليون ريال.. كنتوا تشوفوا راح أعمل إيه.. ولم يكمل..! إنه كما يصف نفسه دوماً: (صعلوك) في زمن لم يكن للصعاليك فيه وجود..! رحم الله أستاذي وأخي وصديقي عبدالله نور.. كان معلماً سامقاً وإنساناً طيباً ورمزاً ظاهراً للمحبة الصادقة والوداعة والطهارة في النفس والخلق.. افتقدنا هذا الرجل، في وقت نحن أحوج فيه إليه وإلى أمثاله من الرجال المخلصين لدينهم ووطنهم وأصدقائهم، فإلى رحمة الله.. إلى جنة الخلد في فردوس النعيم يا أغلى الناس.. يا أبا عبدالرحمن.