الوعي بمضامين المصطلحات السياسية مهمة صعبة لغرابتها.. إذ إنَّ معظم تلك المصطلحات حديث، وغربي المصدر لا أصل له في ثقافتنا.. والثانية: أنَّ جزءاً كبيراً من مجتمعنا لا يتداول هذه المصطلحات ولا يراها إلا بالمنظار الأسود وأنها في سلة واحدة مع الكفر.. والثالثة: أن بيئتنا السياسية لا تستدعي التعامل مع هذه المصطلحات. ونتيجة للتغيرات العصرية المتسارعة أصبح تداول تلك المصطلحات شائعاً في مختلف وسائل الإعلام وفي المجالس الخاصة.. والمواطن في عمومه لا يعي مضامينها إلا ضمن مفهوم (الكفر ملة واحدة).. حتى إنَّ بعضَ مَنْ أعرفهم قال لي: إنَّه لا يميز بين نهضوي وحداثي وليبرالي وديمقراطي وقومي وعلماني، فهم في سلة واحدة في نظري في سلة الكفر مقابل سلة الإسلاميين وإنْ تعددوا. هناك أسئلة سوف نبدأها بفرضية.. فإذا افترضنا أنَّ هناك ملتين فقط هما: ملة الإسلام، وملة الكفر.. فهل ملة الكفر واحدة.. من حيث الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي؟.. وهل الشيوعي والرأسمالي يقفانِ معاً على خط واحد؟.. وهل ملة الإسلام واحدة في الوقت الراهن؟.. وهل المسلمون اليوم متفقون في العقيدة والمنهج؟.. أم هناك السلفية والإخوان والدعوة والتبليغ؟.. وإذا أضفنا إلى هذه القائمة عدداً من الطوائف الإسلامية التقليدية كالإسماعيلية والزيدية والجعفرية والبهائية والقاديانية وغيرها الكثير من الفرق التي قد يعادي بعضها بعضاً لدرجة تجعلنا نتفادى إطلاق لفظ واحد يشمل كل تلك الطوائف المتعارضة، فإنَّ ذلك سيكون محيراً ومدهشاً خاصة أنَّ مضمون مفهوم الإسلام يقابله مفهوم الكفر. لا شك في أنَّ ملة الكفر إنْ صح التعبير متعددة الأفكار والمناهج.. وتنقسم إلى جماعات وأحزاب يختلط فيها الديني بالمدني.. فقد تسمع عن حزب مسيحي محافظ أو مسيحي اشتراكي أو حزب يهودي يميني أو علماني.. كما أنَّ ملة الإسلام اليوم صارت متعددة وأصبح يختلط فيها الديني بالمدني.. فأصبحنا نسمع عن إسلامي سلفي وإسلامي وسطي وإسلامي ليبرالي. أسماء ومصطلحات كثيرة في ملة الإسلام تتكامل أحياناً وتتعارض أحياناً أخرى.. ففي الكويت التي سبقتنا بالديمقراطية وممارسة الانتخابات بحوالي أربعين عاماً خرجت جماعة سلفية علمية من تحت عباءة الجماعة السلفية التقليدية.. وأخذت كل واحدة منها تعدد مثالب الثانية.. فضلاً عن الطعن بالتكتلات الإسلامية الأخرى كالإخوان المسلمين والدعوة والتحرير.. ومما لا شك فيه أنَّ هذا التعدد في التكتلات الإسلامية موجود في المملكة أيضاً.. ولا أدل على ذلك من انقسام الإسلاميين السعوديين حول الفكر الجهادي.. وما نتج عن ذلك من كوارث نعاني منها حتى اليوم. فماذا نقول للمواطن العادي.. الذي سيكون ناخباً في كل الأحوال ومرشحاً في بعض الأحيان في مرحلة الإصلاح السياسي التي انطلق قطارها؟.. هل نخفي عنه الحقيقة.. ونقول له إنَّ الإسلام واحد وإنَّنا كلنا مسلمون ولا يوجد تكتلات أو أحزاب إسلامية.. وإنَّ المصطلحات الواردة لنا من الغرب كلها ذات معنى واحد وهو الكفر.. وإنَّها تقوم على رفض القيم الإسلامية والدعوة للتحلل والتفسخ ونبذ الدين.. أم نقول له الحقيقة ونفسر له المصطلحات بالشكل الذي يبني ولا يهدم؟. وإذا كان الحكم على الشيء فرع من تصوره فإنَّ معالجة فكرية إنسانية لذهنية التصور لكل أفراد المجتمع كفيلة بأنْ تمهد للحل الذي يحقق السلم الاجتماعي.. شرط أنْ تنفتح له الأذهان والقلوب برغبة حقيقية في الإصلاح دون البحث كثيراً في المضامين التي تخطئ دائماً عند تقسيم العالم إلى فئتين لا ثالث لهما: عالم إسلامي وله منَّا كل الاحترام والتقدير والتبجيل، وعالم غربي ويُصنف على أنَّه كفرٌ كُلُّهُ. القصد الحقيقي يتلخص في وضع تصور وطني مصحوب بخطط عمل تمكننا من تدارك ما فات علينا من تنمية.. لتحقيق ما نطمح إليه من الحضارة.