يعترف كثيرون أن الإعلان هو أكثر أساليب ووسائل التأثير الحديثة في الناس وأقواها.. ويرى كثيرون ان الإعلان يشبه الشائعة في كثير من أوجهه فهو يضلل، ويغرر، ويؤثر في توجهات ومواقف الناس تجاه منتج أو حدث أو شخص. لكن الحقيقة هي أن بين الشائعة والإعلان فروقا شاسعة.. فالشائعة هي وليدة حديث الناس والرواة الذين يضيفون إليها من أوهامهم وأفكارهم وأحيانا من سوء فهمهم.. كل ذلك دون رابط منظم لهؤلاء المرددين للشائعة المضيفين إليها.. أيضاً الشائعة نتاج عفو الخاطر أحياناً أو الحسد أحياناً أخرى.. والخيال الواسع دائماً.. دون ضابط.. كل يشترك في صنعه وتبهيره كل ذلك دون مقابل. بينما الإعلان يخطط له ويؤلف ويوظف ويبث من خلال خبراء متخصصين.. يضعون الهدف ويؤلفون النص ويوظفون الكلمة والصورة.. ويحددون وسيلة البث وتوقيته وأسلوبه والمستهدفين به.. كل ذلك مقابل مبلغ مادي معلوم. من يقول بتشابه الإشاعة مع الإعلان يغفل نقطة هامة جداً.. وهي أن أساس الإشاعة دائماً ضعف المعلومة أو عدم وضوحها مما يجعل لمن في نفسه غرض أو مرض أن يؤلف الإشاعة.. بمعنى آخر.. الصدق والوضوح يقطعان حبل الإشاعة.. أيضاً الإشاعة لا يعرف مصدرها.. بينما الإعلان فهو يلقى على رؤوس الأشهاد .. ومصدره معروف. يجب التفريق بين الإعلان كخدمة مهنية والإعلان كرسالة لها دور كبير ومؤثر على المجتمعات والشعوب.. كما يجب التفريق بين المخالفات التي ترتكب من قبل مقدمي الخدمات الإعلانية.. وما يمثله المسار الإعلامي أو الإعلاني في توجيه الرأي العام. فالإعلان فن قائم بذاته وقصورنا فيه لا ينفي أهميته.. وان جزءاً من مقاييس رفاه الشعوب ووعيها هو كمية خياراتها المتاحة لمستهلكيها ومستوى جودتها واسلوب عرضها لنفسها ومنتجاتها. الإعلان خدم (ربما عن غير قصد) الدراسات الاجتماعية.. فالدراسات الإعلانية تمثل حالياً ركيزة البحوث الاجتماعية والإنسانية.. ولا يمكن رعاية تكاليفها وتغطية نفقاتها الميدانية أو التحليلية دون تمويل المعلن. الإعلان علاقة بين أربعة أطراف هم: المعلن وهو صاحب المنتج أو الخدمة المطلوب الإعلان عنها.. ومصمم الرسالة الإعلانية.. ووسيلة الإعلان الحاملة للرسالة الإعلامية.. وأخيراً المتلقي. هذه الأطراف الأربعة كل منها يحمل هماً ونظرة مختلفة تجاه الإعلان فهو للمعلن تسويقي.. وللمصمم إبداعي.. وللوسيلة منفعة.. وللمتلقي خيار آخر من ضمن خيارات متاحة لتسوقه وتبضعه. العلاقة بين هذه الأطراف الأربعة هي في أغلبها غير متناسقة أو متفقة.. فالمصنع يريد أن يصمم الإعلان حسب ذائقته وليس ذائقة الشريحة المستهدفة بالإعلان.. لم لا؟.. أليس هو من دفع التكاليف؟! والمصمم تطغى عليه روح الجمال وتناسق مكونات الإعلان دون النظر للمتلقي ومستواه وللرسالة المطلوب إيصالها.. والوسيلة يهمها تأجير المساحة الإعلانية.. لا يهم إن كانت مناسبة للشريحة المستهدفة أم لا.. فهذا شأن صاحب الإعلان لا الوسيلة.. أما المتلقي فهو يريد أن يرى إعلاناً مفيداً مفهوماً جميلاً يكون إضافة جمالية لا خدشاً لها.. كما أنه يلوم المعلن لا مصمم الإعلان أو الوسيلة.. فيما لو كان هناك خلل لا يرتضيه. الإعلان هو محاولة لتغيير سلوك.. فأنت مثلاً اعتدت على معجون أسنان أو شامبو معين أو غيره.. الإعلان يرغبك في أن تتيح لنفسك خياراً آخر وتجرب لعلك تجد الجديد أفضل.. وانت حر في الاختيار. قرأت لكاتب متخصص ان (الإعلان العربي مستنسخ من الإعلان الغربي.. فقراءة العبارات الواردة في الإعلانات لا تحيل ابداً إلى الفضاء الثقافي العربي.. فالاختلاف والتعدد وإبراز الذات والاستمتاع بالحياة الفردية وتشجيع الإبداع.. مفاهيم مرتبطة بجذور فلسفية غربية). نعم، إن الكلام الوارد آنفاً صحيح.. لكن لماذا لا تعتبر هذه الإعلانات (دعوة)؟ نعم إنها دعوة مستنسخة حالياً، لكن حينما نتعلم ثقافة التعدد وإبراز الذات والاستمتاع بالحياة وتشجيع الإبداع .. حينئذ سوف يخرج من رحم الإبداع المحلي تصميم يدعو إلى تلك المفاهيم الجميلة.. ولن تكون الدعوة مستنسخة بل خارجة من جذور فلسفية سعودية عربية إسلامية.الإعلان بشكل عام، والإعلان كجزئية مهمة منه.. يمرر ويغرس مفاهيم وأفكاراً وتوجيهات. وقبولنا ورفضنا لتلك المفاهيم يجب أن يكون مبنيا على فكر وتحليل سليمين لا فكر سقيم يرى بعين واحدة وفي اتجاه واحد.. تحقيقاً لرغبة واحدة. حدثني صديق عما لاحظه في رحلة إلى البر لهذا العام الربيعي الجميل.. حيث إن احد شيبان العائلة شكا من تدهور الزمن والمرجلة والمعرفة.. واستنكر ان بعض شبابهم (يا دافع البلا) لا يفرقون بين الناقة والبعير؟ وقرأت لكاتب صحفي اقتراحاً لحل مشكلة الزحام بمنع الأجانب من قيادة السيارات!.. كما قرأت لكاتب آخر يدعو لوقف التعليم الجامعي في بعض المجالات نظراً لعدم وجود وظائف شاغرة للخريجين. هذه مفاهيم سقيمة.. لا تختلف تماماً عمن ينظر إلى الإعلان بشكل عدائي أو مريب .. ويدعو إلى وقفه فالإعلان في اصله توعوي.. كما أن المعلنين هم الممولون الأساسيون لقيام صناعة الإعلام.. وصناعة الإعلام هي السلاح الأول وهي السلاح الأخير في حروب هذا العصر القائمة على عداء، وتكنولوجيا، وشر مستطير. صناعة الإعلام المحلية بحاجة إلى المعلن.. والمعلن لا يمكن أن يكون كذلك بدون إعلان له صناع محترفون.. لذا علينا احترام هذه المهنة.. والتشجيع على ممارستها، وازالة معوقات انطلاقتها بكل تفهم وتسامح وحرية.