خاطبتني ابنتى ذات التسعة اعوام وهي تشاهد إحدى قنوات التلفزيون بقولها " ازعجنا هاالإعلان , ليه ما أحد يشتري منهم ويريحنا " . وهذا الظن لدى هذه الصغيرة التي يزعجها ترديد الإعلان وتظن انه لسلعة واحدة فقط . فما بالنا إذا تردد الإعلان في برنامج مميز لدى الجمهور المستهدف بشراء السلعة ؟ اعتقد ان حسابات الربح والخسارة ستكون مهمة للمعلن . واقع الحال يشير الى قلة الدراسات العلمية التي توضح الصورة اكثر وتساعد المعلن والوسيلة معا على فهم الجمهور وعدم فقدانه او تناقص اهتمامه . ومع علمنا بإن كتابة مثل هذا المقال تعتبر من التعدي على الاعلان الذي هو من حرمات صناعة الإعلام فهو المورد العذب الذي تستقيم به هذه الصناعة ماديا , ولكن في ما يبدو أن صناعة الإعلان لم تهتم بشرائح المجتمع وثقافة المتلقي ، فالإبداع الاعلاني لا يعنى أن رسالته تصلح للتكرار على المشاهد وستؤدي التأثير المطلوب , بل على النقيض تماما ربما تولد الملل لدى المشاهد والقارئ . وهنا لست ادري كيف ستكون خارطة البرامج وتوزيع الإعلانات في شهر رمضان المقبل؟ ففي هذا الشهر الكريم تتسابق الشركات المنتجة على البرامج المميزة ولا نسمع عن التميز الاعلاني المصاحب لهذه البرامج ومعايير الجودة لدى القنوات الفضائية . لو تتبعنا ما يثار في الصحافة عن البرامج والإعلان التجاري نجد انه يتلمس بعض الجوانب الثقافية الى حد ما ولكن لا يساند هذا الطرح دراسات إعلامية علمية جادة , والسبب ان هذا النوع من الدراسات هو دراسات ادارية يستفيد منها المعلن والوسيلة وليس المجتمع بشكل مباشر وعادة تقوم بها الجامعات ومراكز الابحاث المتخصصة. وهنا ندرك أن الجامعات لا يمكن ان تصرف على دراسات لا يستفيد منها المجتمع مباشرة ولذا على الوسائل الاعلامية والشركات المعلنة ان تدفع تكاليف هذه الدراسات وقبل أن تظهر موجات " خلها تصدي " واخواتها . يضاف الى ذلك ان صناعة الإعلان لم تستوطن بعد وتحتاج الى شيء من عمليات التوطين الثقافي إن كانت الشركات والوسائل فعليا تهتم بالجمهور المحلي المستهدف . وهذا بالطبع لا يلغى وجود بدايات إبداعية محلية في مجالات الاعلان المختلفة , ولكنها قطرات في بحر من الابداع المستورد الذي لا يؤسس الى صناعة اعلانية محلية او حتى فتح فرص وظيفية للشباب في مجالات الاعلان المختلفة.والأدهى من هذا وذاك أن صناعة الإعلان كنز كبير من الأموال المتدفقة في نهر الوطن ولا يشرب المواطن منه سوى قطرات " كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول". بل في وسائلها محمول . ارجو أن لا يستغرب مني اهل صناعة الاعلان هذه الصراحة التي لم تنتج لنا جيلا مبدعا خلال اكثر من عقدين من الزمان . لقد حان الوقت لتأسيس صناعة اعلانية وطنية نقول لها "امطري حيث شئتِ ". وأنا هنا بالمناسبة لا ادعو لضيق الافق باسم المحلية وإنما تمكين الوطني لمنافسة المستورد , وفي سوق الأفكار المبدعة ستطرد العملة الوطنية الجيدة تلك العملات الفاسدة او البعيدة ثقافيا.والسبب يعود لقدرة الجمهور على الفرز السليم , ولن تقف طفلة في عمر ابنتي لتقول " اشترِ سلعتهم التي ازعجتنا " , فالجمهور اصبح اكثر وعيا واكثر دقة في الانتقاء ولكن صوته غير مسموع في الإعلام ذي الاتجاه الواحد . هذا الصوت إذا ابدع في رفض المنتجات فسيدفع الثمن التاجر الذي يدفع قيمة الاعلان ولايدفع ثمن معرفة رأي المستهدف بالإعلان . فدراسة الأثر والاختراق لازالت بعيدة عن مفردات التجار لأن القائم على صناعة الإعلان نيابة عنهم قد غيبها بطريقة المعلومات المفتعلة او المصنعة خصيصا لتشنيف أذني التاجر وقدرته الذوقية في رسالته الاعلانية . صح النوم فالعيال كبرت وهذا ما لمسته من ابنتي وغيرها من ابناء الجيل الجديد .