كتبت في هذه الزاوية في منتصف مارس الماضي مقالاً عنوانه «أوقفوا نبرة السخرية»، عاتبت فيه زملائي الصحفيين والإعلاميين من دول الخليج على تصعيد الخلاف بين دول المجلس بعد سحب السفراء، وذكرت بأن «الشتائم وتبادل الاتهامات بواسطة كتّاب وصحفيين لا تجدي ولا تفيد في هذه الأزمة، بل تزيد من أمر الخلاف بين هذه البلدان الخليجية، خاصة في هذه الظروف المتوترة في المنطقة، وهذا النزاع الذي يحيط بنا في مختلف الدول العربية، وحتى غير العربية». وأكدت فيه على أننا «بحاجة كبيرة إلى لمّ الشمل، وترتيب البيت الخليجي من الداخل، وتوحيد جهوده وقراراته بشأن القضايا العربية والإقليمية المحيطة»، وها هو خادم الحرمين يلم الشمل من جديد في قمة الرياض التوافقية، ليعود السفراء ليس إلى أعمالهم فحسب، وإنما إلى بيوتهم وأهلهم وأوطانهم الشقيقة، فمن الصعب أن نتخيل الخليج العربي من غير تجانس حكوماته وتآلف شعوبه المتداخلة فيما بينها إلى حد بعيد! ما لم أذكره، أو أتوقعه في ذاك المقال المنشور منذ عدة أشهر، أن تحقيق مثل هذا الاتفاق التكميلي، والتوافق بين القيادات، وعودة السفراء، قد يتبعها أيضاً عودة السفير السعودي إلى بغداد، وذلك بعد زيارة الرئيس العراقي إلى الرياض، وكذلك رئيس البرلمان العراقي، فهذه الخطوات الإيجابية ستوسع فضاء التقارب والتحاور في المنطقة بشكل أكبر، خاصة بعد تصريح خادم الحرمين الشريفين الذي دعا فيه إلى نبذ الخلافات العربية ووحدة الصف والتوافق، وأكد فيه على أهمية دعم مصر والوقوف إلى جانبها. ما لم أدركه لحظة كتابة ذاك المقال، أن عودة الوفاق بين دول الخليج العربي لا يهدف إلى تحقيق مصالح هذه الدول وضمان مستقبلها فحسب، وإنما هو مؤشر أولي ومهم لترتيب البيت العربي بأكمله، وربما الإقليمي أيضاً، خاصة في تحقيق التجانس مع تركيا، بصفتها دولة إقليمية مهمة ومؤثرة، خاصة في توحيد الموقف والتقارب مع الحكومة المصرية. هذا التجانس وتوحيد الرؤى حول مصر، وما تسعى إليه العراق من نهوض جديد بعد المرحلة السوداء لحكم المالكي، والعودة الطبيعية والمنتظرة إلى المنظومة العربية من جديد، وما يناضل لأجله الشعب السوري الذي قضى سنوات مؤلمة من القتل والدمار والتشريد، والوقوع بين مطرقة الأسد وسندان الإرهاب، سيجعل من العام القادم 2015 عاماً آمناً، وحتى لو تعرض إلى أزمات اقتصادية، فإن الاستقرار السياسي المنتظر سيكون له تأثيره المباشر على عودة استقرار الاقتصاد، واستمرار نموه. هذه الأحداث السريعة، وقمة الرياض الطارئة، جعلت مصطادي العثرات، والشامتين، يتنبأون ببوادر جديدة من الخلاف، وبمزيد من الشتات، وأن هذه القمة بديلة عن قمة الدوحة المقبلة، لكن الصور وحدها، التي نشرت فيما بعد، وأظهرت احترام القادة الكبار لكبيرهم خادم الحرمين الشريفين أوقفت هواة التكهنات، وقضت على أحلامهم.