يتصف الاقتصاد السعودي بالتطور الديناميكي في كثير من الجوانب، أبرزها تطور حركة الصادرات والواردات، والتي ترتب عليها تطورات كبيرة في الطلب على صناعة السياحة والسفر والنقل بالسوق المحلي. ويُفترض أن النقل الجوي سيقوم بالدور الأكبر في تقديم تسهيلات النقل والانتقال للأفراد والبضائع، وجدير بالملاحظة أن عدد المسافرين في كافة مطارات المملكة ناهز 54 مليون راكب في عام 2011م. ووصل عدد رحلات السفر في كافة مطارات المملكة حوالي 477 ألف رحلة.. أيضاً أحرزت المطارات الدولية بالمملكة ارتفاعاً في حجم الإقبال عليها من شركات الخطوط الجوية الأجنبية في 2011م وحدها نسبة زيادة قدرها 6.0% بشكل يُوضح ارتفاع الطلب من الشركات الأجنبية على العمل على الخطوط الجوية التي تمر أو تستقر بالمملكة. وإذا كانت حركة السياحة والسفر في كافة الدول ترتبط بتوافر المقومات السياحية المعتادة وبعوامل الطقس والمناخ وغيرها، فإن الطلب على السياحة والسفر إلى المملكة في جزء كبير منه هو طلب غير مرن، ولا يرتبط بتغيرات يقبلها طالبو خدمات السفر، وهو السياحة الدينية «الحج والعمرة»، فهو طلب غير مرن، ولا يرتبط ولا يستجيب للعوامل الأخرى إلا في أضيق الحدود لأنه مرتبط بدوافع شرعية ودينية، ويأتي إلى المملكة حجاج ومعتمرون من كافة دول العالم سواء العالم الإسلامي أو حتى مسلمي العالم الغربي، وهذه الدول كثير منها انتبه مؤخراً إلى ضرورة بناء وتسيير خطوط طيران جوي لشركاتها الوطنية إلى المملكة، لذلك، فإن غالبية خطوط النقل الجوي الأجنبية أصبح لها مصالح نقل جوي بالمملكة، وربما تكون المملكة الدولة الأكثر تميزاً في إقبال الناقلين الجويين على بناء فروع أو تسيير خطوط إليها في الوقت الحالي. وإذا أضفنا على هذا الطلب الخاص والمتميز، السفر إلى المملكة لأغراض الأعمال والمؤتمرات التي انتعشت كثيراً مؤخراً، لأدركنا حجم الطلب الهائل على صناعة النقل الجوي بالمملكة حالياً، والتي في اعتقادي أن الناقل الجوي الوطني لم يعد قادراً على تلبيتها وحده، فالشاهد أن طالبي خدمات النقل الجوي دائماً يواجهون عبارة «لا توجد مقاعد» في كثير من شهور العام، والتباين الكبير والواضح في معدلات أسعار التذاكر خير دليل على ذلك. حتى الطلب على النقل الجوي الداخلي بالسوق السعودي نالته تطورات مثيرة خلال عام 2011م، حيث ارتفع بمعدل 19.0% للركاب و7.0% للرحلات و5.0% للشحن والبريد، مقارنة بعام 2010م.. وتعود هذه الزيادة إلى تشغيل رحلات دولية ومنتظمة من بعض المطارات الداخلية. مساهمة الناقل الوطني «الخطوط السعودية» في سوق النقل الجوي بالمملكة تساهم «الخطوط السعودية» بنسبة 76% من إجمالي حركة السفر والنقل السعودية، في مقابل مساهمة الخطوط الأجنبية التي تنتمي لدول أخرى بنسبة 24%، وذلك كما تشير إحصاءات هيئة الطيران المدني، حيث بلغ عدد الركاب المسافرين على الخطوط السعودية في عام 2010م حوالي 31.9 مليون راكب في مقابل 12.8 مليون راكب تم نقلهم على الخطوط الأجنبية.. كما تساهم الخطوط السعودية بنقل 68% البضائع المشحونة جواً. ورغم الأهمية والمساهمة الكبرى للخطوط السعودية في حركة النقل الجوي، إلا إنه لوحظ خلال السنوات الأخيرة الإقبال الكبير من خطوط النقل الجوي الأجنبية على مسارات النقل الجوي للمملكة، حتى ظهرت كثير من الفروع لشركات الخطوط الأجنبية التي أُنشئت حديثاً، ووصل عددها الآن إلى حوالي (33) فرعاً للخطوط الأمريكية، والبريطانية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والإيطالية، والهولندية، والسويسرية، والتركية، والنمساوية، واليونانية، والسنغافورية، والصينية، والفلبينية، والكورية، والماليزية، والهندية، والباكستانية وأخريات. أيضاً النقل الجوي الداخلي بدأت تنافس عليه شركات الطيران الأجنبية للحصول على حقوق التشغيل الدولي من المطارات الداخلية في المملكة إلى وجهات دولية مجاورة، وذلك عقب نجاح شركات مماثلة في التشغيل الدولي لمطارات الدول المجاورة. وينبغي أن نعلم أن شركات الطيران الاقتصادي أو منخفض التكلفة أصبحت تروِّج لفكرة العمل من المطارات الداخلية لوجهات دولية، ويبدو أن هذا الطيران الاقتصادي أصبح رائجاً ويحقق طلباً عالياً للغاية، حتى أصبحت المطارات الداخلية مجهولة الهوية معروفة دولياً الآن، هذا علاوة على الطيران الاقتصادي الذي ينطلق من المطارات الدولية. هذا وتواجه صناعة النقل الجوي اختناقات كبيرة خلال مواسم السياحة والسفر، سواء في الإجازات أو الأعياد أو فترات الذروة للأعمال والمؤتمرات، وهذه الاختناقات تمثّل فرصاً استثمارية كبيرة ومهولة تحتاج للاقتطاف، ولحسن حظ صناعة النقل الجوي فإن كل العام الآن أصبح مواسم سفر وسياحة، باستثناء فترات قليلة لا يكثر فيها الطلب، فما إن ينتهي رمضان حتى يكون هناك موسم عيد الفطر، ثم افتتاح المدارس، ثم موسم عيد الأضحى، ثم موسم إجازة منتصف العام، ثم موسم بداية الربيع، ثم موسم إجازة نهاية العام الصيفية، وهكذا في دورة مستمرة ولا تنتهي، وكل هذه المواسم ترتبط بفترات ذروة في الحجوزات الجوية. رغم كل ذلك، فإن سوق الشركات المساهمة أو الكبرى بالمملكة تغيب عنه شركات النقل الجوي تماماً، رغم ضخامة الفرص الاستثمارية فيه، ولا يزال هذا السوق يتم التعامل معه كسوق لتسهيلات السياحة أو السفر فقط بالوكالة، وليس كتقديم خدمات النقل الجوي مباشرة. الوكالة أو مجرد تقديم تسهيلات السياحة والسفر «ترتيبات الرحلات السياحية» لم يعد كافياً ولا يفي بمتطلبات السوق، ويحتاج إلى نظرة أكثر شمولية في سعي المستثمرين المحليين لتقديم خدمات النقل الجوي بتأسيس شركات نقل جوي مباشرة، حتى وإن كانت تمتلك طائرة واحدة، وخصوصاً مع ظهور ملامح لنجاح الطيران الاقتصادي في كثير من الدول.