«أخيراً فاض بي الكيل، وقررت بعد تفكير عميق أن أتقدم باستقالتي». كان قرار «أم يوسف»، وهي موظفة استقبال في أحد المستوصفات الخاصة، ترك وظيفتها نتيجة لما قالت إنه تكرار تعرضها للتحرش أثناء العمل، سواء من المراجعين أو الموظفين على حد تعبيرها.. ولأنها لم تستطع المواجهة اختارت الاستسلام: «العادات والتقاليد تجرني وزميلاتي إلى عدم الحديث والخوض في مثل هذه الأمور، كما أن التهديد بالفصل من العمل يكون حاضراً مع أي محاولة لتقديم شكوى». ورغم حصوله على النصيب الأكبر من شكاوى السيدات والفتيات في الفترة الأخيرة إلا أن التحرش الجنسي في بيئات العمل ما زال يقابل بنوع من التعتيم سواء على مستوى الأسرة أو حتى على مستوى المشرع الذي لم يبت حتى هذه اللحظة في استصدار قانون يعالج هذا الأمر من خلال مجلس الشورى. قبل عدة سنوات استبعد مجلس الشورى، مناقشة دراسة القانون الخاص بحماية النساء من التحرش في بيئة العمل إلى أجل غير مسمى، بسبب «عدم اكتمال آليات الموضوع»، إضافة إلى ما وصف ب»عدم وجود بيئات عمل مختلطة في السعودية». بالنسبة إلى عهود، وهي بائعة في أحد المراكز التجارية، فإن ثقافة المجتمع الذي نعيش فيه: «تفرض على المرأة الصمت والكتمان أمام كل المضايقات التي تتعرض لها». وتؤكد بحسرة ظاهرة تعرضها وبعض زميلاتها للتحرش اللفظي حتى من قبل زملاء العمل: «للأسف الشديد عندما نبلغ المسؤولين بذلك لا نجد أي تجاوب، فالمرأة عندهم مدانة حتى تثبت براءتها». الثالثة عالمياً في وقت سابق أظهرت دراسة ميدانية أجرتها وكالة الأنباء العالمية «رويترز» أن السعودية: «تحتل المركز الثالث من بين 24 دولة في قضايا التحرش الجنسي في مواقع العمل». وبيّنت الدراسة، التي شملت 12 ألف موظفة من دول المسح، أن 16 في المائة من النساء العاملات في السعودية تعرضن للتحرش الجنسي من قِبل المسؤولين في العمل. وأظهرت الدراسة أن نسبة التحرش في السعودية أعلى بكثير من الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا والسويد وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وأستراليا وإسبانيا وبقية الدول الأوروبية. وبيّنت الدراسة الميدانية أن النسبة الأكبر من الموظفات اللواتي يتعرضن للمضايقات الجنسية أو التحرش الجنسي المتعمد في العمل تقل أعمارهن عن 35 عاماً. وبحسب رئيسة لجنة المساندة القانونية للمرأة عضو رابطة المرأة العربية في المجلس البريطاني للمستشارين القانونين المحامية بيان زهران فإن عدم وجود نظام لحماية المرأة من العنف أو التحرش الجنسي في الأماكن العامة أو حتى في بيئات العمل: «تسبب في زيادة نسبة حدوث الجريمة، فيما أن تطبيق النظام سيفتح مجالات عدة أمام المرأة، أهمها الشعور بالرضا والاطمئنان وبالتالي أداء عملها بشكل أفضل». وتعزو الدكتورة ناهدة الزهير المدير العام لمركز معارف الصحة للاستشارات الصحية والتدريب والبحوث بالدمام ظاهرة التحرش إلى: «ممارسات التغريب ومحاولات طمس الهويتين المسلمة والعربية التي غزت كل البيوت والمؤسسات»، لافتة إلى أن القضاء على هذه الظاهرة: «يحتاج إلى وعي وإدراك من كافة أطياف المجتمع، إضافة إلى العودة إلى الله في كل الممارسات والمعاملات اليومية والحياتية». وتطالب الدكتورة الزهير النساء العاملات في أي مجال ب: «ضرورة مراعاة كل أصول وقواعد الحشمة والوقار في ممارسة ومزاولة المهنة أو العمل». في المقابل، يلفت الخبير في الإعلام الأمني والباحث في الاستخدامات المعلوماتية الدكتور فايز الشهري إلى أن صور التحرش لا تكون ضد المرأة فقط: «فقيام المرأة بأفعال وتصرفات في الملبس والكلام والحركة قد تكون بطاقة دعوة لفعل التحرش المعاكس». يضيف: «لفظة تحرش تتسع لتشمل المضايقات العنصرية والنفسية والجسدية بأية وسيلة من وسائل المضايقة سواء بشكل مادي أو معنوي أو بالإشارة والإيماءة والتهديد». اعتراف ضمني قانونياً، يصنف رئيس لجنة المحامين في المملكة سلطان بن زاحم التحرش الجنسي على أنه اعتداء جنائي: «وبالتالي تتولاه أقسام الشرط باعتبارها جهة استدلال ومن ثم ترفعها إلى دائرة التحقيق والادعاء العام لتتحقق من البلاغ وترفعها بدورها بعد التثبت إلى المحكمة الجزئية لينظر القاضي إلى درجة التحرش وطبيعته. وغالباً ما تكون الأحكام هنا تعزيرية على حسب ما وقع من الشاب». ويلفت إلى أن المطالبة بإقرار نظام لحماية المرأة من التحرش: «لا يعني أن المملكة غير معترفة به، بدليل أن هناك أحكاماً تصدر يومياً ويتجاوز بعضها السجن 30 عاماً». ويطالب بن زاحم بتكييف واقعة التحرش في حالة إقرار النظام: «حتى لا تكون هناك مساحة واسعة للاجتهاد»، منوهاً بأن ما يصل إلى المحاكم من التحرش: «لا يمثل 1% من أعداد القضايا المنظورة». ووفقاً لعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين فإن قلة قضايا التحرش الواردة إلى الجمعية عائدة إلى تخوف المرأة من الفصل في العمل إضافة إلى النظرة الاجتماعية: «كثير من القضاة لا يثقون بالمرأة ولا يأخذون بأقوالها فكيف لها أن تثبت حقها؟ أتذكر أن الجمعية كانت تلقت شكوى من طبيبة تعمل في مستشفى خاص تعرضت للتحرش من مدير المستشفى ولكن للأسف لم تتخذ إجراءات حاسمة في حق المتهم لعدم وجود نظام واضح يحمي المرأة من التحرش». وتكشف زين العابدين عن أن مجموع قضايا التحرش التي وردت إلى الجمعية في العام 2010 بلغت 10 قضايا: «ثلاث منها في مدينة الرياض وحالتان في كل من جدة وجيزان والشرقية وحالة واحدة في مكة».