اضطرت أم وليد (37 سنة) إلى ترك عملها في إحدى المؤسسات الحكومية بسبب تكرار حوادث التحرش الجنسي التي تعرضت لها أثناء عملها «فرّاشة» (عاملة نظافة). وقالت أم وليد التي يتطلب عملها الحضور في وقت مبكر لتنظيف المكاتب قبل وصول الموظفين، إن أحد حراس المؤسسة حاول أن يعتدي عليها جنسياً وكان مقر العمل خالياً من الموظفين ومن بقية أفراد الحراسة. وتزيد أم وليد أنّ عديدين تحرّشوا بها من درجات وظيفية مختلفة من بينهم مدير شؤون الموظفين الذي سبق وطلب منها أن تُميط اللثام عن وجهها مهدداً إياها بعدم صرف مكافأة عملها الإضافي ما لم تستجب لطلبه. التعرض للبطالة والجوع وينتشر التحرش الجنسي في اليمن على نطاق واسع، وتشير تقديرات إلى أن 90 في المئة من اليمنيات يتعرضن للتحرش الجنسي من أنواع مختلفة. وتفيد معلومات عن تعرض ناشطات سياسيات للتحرش داخل الأحزاب السياسية التي ينتمين إليها. وقالت ناشطة طلبت عدم الكشف عن هويتها أن رفاقاً لها وقادة في الحزب الذي تنتسب إليه، تحرشوا بها وبرفيقة لها في حوادث منفصلة. ومع زيادة حاجة كثير من اليمنيات للعمل لإعالة أسرهن، خصوصاً الأرامل والمطلقات منهن، تعقدت ظروف العمل والحصول عليه وصارت أكثر قسوة في شكل يضع بعض النساء ما بين خيارين أحلاهما مرّ: إما التفريط بشرفهن أو التعرض للبطالة والجوع. وقالت أم وليد إنها وبعد تركها عملها مارست بيع البطاطا المسلوقة أمام إحدى المدارس لتعيل طفليها إلى أن حصلت أخيراً على وظيفة لدى منظمة غير حكومية. واكثر حالات التحرش تتعرض لها النساء العاملات في تنظيف الشوارع، وأكدت مصادر متطابقة أن مسؤولين في القطاع الحكومي والخاص يساومون بعض النساء المتقدمات للحصول على وظيفة بهدف أن ينالوا منهن مقابل توظيفهن. وأفادت معلمة أن مدير التربية في منطقتها هددها بنقل عملها إلى منطقة نائية ما لم تستجِب لرغبته. وذكرت موظفة حكومية تعمل في صنعاء أن مسؤولاً كبيراً في الوزارة التي تعمل فيها، يستخدم بعض الموظفات الأقدم لنقل رسائل إلى موظفات وتهديدهن بالحرمان من امتيازات مثل الترشح للسفر والمشاركة في دورات تدريبية في حال صدّه. وفي مسعى غير حكومي لمكافحة التحرش الجنسي بالنساء والحد منه، أطلقت «مبادرة كفاية» خريطة إلكترونية على شبكة الإنترنت لرصد حجم ظاهرة التحرش الجنسي في المدن اليمنية وفق البلاغات التي تتلقاها عبر الموقع. وبحسب غيداء العبسي، مديرة حملة «شوارع آمنة»، فإن الحملة التي انطلقت في آب (أغسطس) الماضي لمكافحة التحرش الجنسي بالنساء، تضمنت عدداً من النشاطات منها فيلم قصير ومعرض رسوم كاريكاتورية، كما يجري العمل لإصدار كتاب يتضمن قصصاً واقعية لنساء تعرضن للتحرش. وبحسب البلاغات التي تلقاها الموقع الإلكتروني التابع للحملة تصدرت «صنعاء» قائمة المدن اليمنية في معظم أنواع التحرش وهي: الاغتصاب، اللمس، التحرش اللفظي، المطاردة، المكالمات الهاتفية، الإيماءات الجنسية والدعوة لغرض جنسي، تليها «تعز» و«عدن»، وتصدرت «الحديدة» التحرش من خلال عرض الأعضاء الجنسية. وقالت العبسي أن الخريطة الإلكترونية للإبلاغ عن حالات التحرش الجنسي والتي تعد الأولى من نوعها في اليمن، تستهدف رصد المناطق التي تكثر فيها حالات التحرش الجنسي. وأكدت أن الحملة سوف تستمر إلى أن تحقق هدفها المتمثل بإيجاد حلّ لظاهرة التحرش، سواء بإصدار قانون رادع أم من خلال تكثيف دوريات شرطة الآداب. ودخلت بعض وسائط الاتصال الحديثة قائمة الأدوات المستخدمة في التحرش الجنسي بالنساء، وتروى حكايات عن موظفات تلقين صوراً وشرائط فيديو إباحية عبر البلوتوث والبريد الإلكتروني أو من خلال الحاسوب المرتبط بشبكة العمل. وقالت موظفة أنها عثرت في حقيبتها على واق ذكري تعتقد أن أحد زملائها في العمل دسّه لها. وعدد كبير من المتحرَّش بهن في العمل يتمتعن بقدر من الجمال. وذكرت موظفة أن زميلة لها كادت تنتحر بعد أن لفّق لها المسؤول الأول في جهة عملها تهمة أخلاقية وهدّدها بإحالة القضية إلى المباحث الجنائية، بقصد ابتزازها جنسياً. وذكرت طالبات جامعيات أن بعض المدرسين، يتعمدون تخفيض درجاتهن بقصد إرغامهن على الاستجابة لهم. السرية لا تنفي ضرورة القوانين وتفرض طبيعة المجتمع اليمني المحافظ على كثير من النساء عدم الإبلاغ عن أي تحرش يتعرضن له. وقالت العبسي إن «هناك تجاوباً كبيراً على مستوى المشاركة في النقاشات والحوارات التي تُدار في صفحتنا على موقع «فايسبوك»، أما البلاغات التي نتلقاها عبر خريطة الموقع فلا تزال متدنية»، مُرجعة ذلك إلى إنكار المجتمع لهذه المشكلة واعتباره ما يحصل مجرد مضايقات، ومشيرة إلى أن المرأة تخشى البوح بما يحصل لها في الشارع خوفاً من أن يمنعها أهلها من الذهاب إلى العمل أو الدراسة. وأفادت العبسي أنه وعلى رغم أن الإبلاغ في الموقع سري، ويمكن للمرأة أن تُبقي اسمها سرياً أو أن تستخدم اسماً مستعاراً، إلاّ أن هناك قلقاً من الإبلاغ بخاصة أن هذه الفكرة جديدة على اليمن وأي جديد يأخذ وقته. وتوضح: «هدف الرصد الإلكتروني جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن التحرش، والتي من خلالها نستطيع أن نخطو الخطوة الثانية من الحملة، وهو العمل مع أقسام الشرطة والضغط على أصحاب القرار لإصدار قوانين ووضع حلول رادعة».