« السلام مع النفس هو أفضل أنواع السعادة « الطمأنينة ليست شيئاً أنت ترغب فيه... وإنما هي شيء أنت الذي تصنعه أو تتخلى عنه.... « لا تدع الأشياء التافهة تعكر صفاء نفسك.... فالحياة أثمن من أن تضحي بها من أجل أشياء عابرة غير جوهرية.... عليك أن تتغاضى عن هذه الأشياء التافهة..... كان صباحاً جميلاً مميزاً، عندما فتحت عينيها وتنفست بعمق، ابتسمت وتثاءبت بدلال متغنية بعذوبة النوم والراحة.... فلم يعد في عروقها أي أثر للمرض، حمدت الله حمداً كثيراً، فحقاً الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى....كم عانت مع المرض، وهي الآن متعافية يملؤها شعور غامر بالسعادة والإقبال على الحياة. تناولت إفطاراً خفيفاً، وتوجهت إلى الجريدة... كم تفتقد إلى زميلاتها.... وكم هي فخورة بهن.... لقد وقفن إلى جانبها وقفة الأخوات في الأزمات.... بعد أن حيت زميلاتها وهنأنها بالسلامة، دخلت إلى مكتبها، طلبت من نرجس أن تعد لها فنجان القهوة التركي الذي تحبه وتفتقده... تأملت نرجس.... ما أروعها... إنها تحمل في قلبها مصباحاً صغيراً منيراً هو حبها لطفلتها الصغيرة، تقوم بعملها كل يوم بنشاط وحماس، نفس العمل ونفس الروتين والجمود، ومع ذلك تقوم به بنفس النشاط والحماس كل يوم، فهدفها واضح وهو رعاية طفلتها وتعهدها بالحب والحنان المتواصل... وهي تشعر أن كفاحها جميل ومميز.... وهذا أقصى ما تستطيع أن تفعله.... طلبت من نرجس أن تعد لها فنجانا آخر من القهوة التركي، وسألتها عن أحوالها وعن فتاتها الصغيرة. ثم أمسكت بقلمها وبدأت تكتب أولى مقالاتها بعد رحلة المرض، فكتبت الآتي: بعض الناس يعاملون الحياة ببرود وعدم مبالاة، كأنهم يؤدون واجباً ثقيلاً، لا يحبونه ولكنهم لا يستطيعون الهروب منه...... وبعض الناس يجاملون الحياة، كما يجامل موظف صغير رئيساً قاسياً.... وبعض الناس يائسون لا يشعرون بقيمة الحياة، أو أي معنى جميل فيها، ولا يستمتعون بها، إنما يستسلمون للكآبة والملل.... وبعض الناس تمتلئ قلوبهم بالعواطف والرضا، يحبون الحياة ويقبلون عليها، فالحياة في نظرهم رائعة، كل ما فيها جميل وعذب لأنه ( حي )،الناس كائنات جميلة، وكل إنسان قريب من النفس والقلب، وكل الحالات في الحياة مقبولة، لا يكفون عن الضحك والمرح، يعيشون أيامهم بشجاعة ودون خوف، يقدرون كل معنى إنساني كبير من حب، صداقة، إخلاص، وفاء، شهامة، كرامة، كرم، مروءة، تعاطف، ضمير حي.... يمنحون عواطفهم لكل شيء في هذه الحياة، وقلوبهم مفتوحة للجميع، يمقتون الغرور والأنانية وقسوة القلب.... تتسع قلوبهم لتشمل جميع البشر، يفتحون أذرعهم بلا تردد، ويندفعون إلى الذين يقيدهم الحزن، ويجهدون أنفسهم ليعيدوا لهم إحساسهم بالحياة وحماسهم لها.... تتسع قلوبهم للأطفال، للنساء، للكبار، للبسمة والدمعة، للفاشلين والظافرين.... تحياتهم حارة، يحترمون الحياة، يحترمون الناس ووجهات نظرهم، يحترمون إنسانية الإنسان...ويطلبون منه أن ينفعل مع الحياة بنفس حرارتهم وحماسهم.... ليس هذا فحسب، بل إن إحساسهم الشامل بالحياة يمتد ليشمل الأرض والأزهار والأعشاب والجمال.... فهم يرون الحياة في كل شيء، ويشمون رائحتها العطرة في كل شيء.... إن أجمل ما يمكن أن نتعلمه من هؤلاء المقبلين على الحياة، هو أن نتقبل الحياة ونعيشها بشجاعة، فنبحث عن المعنى الإيجابي في التجارب التي نعيشها. فالفشل الذي يواجهنا أحياناً، والصدمات التي تتعرض لها نفوسنا الرقيقة، والظروف الصعبة التي تحيطنا بنا أحياناً، يجب ألا تجعلنا نستسلم لسحر الفشل وإغرائه، يجب ألا تجعلنا نفتقد القدرة على مواصلة الحياة والرغبة في الاستمرار.... إن تقبل الحياة يحتاج إلى نفسيات متفتحة حية، ترى في الفشل خطوة إلى النجاح، وفي الألم طريقا إلى السعادة، ولا تسمح للحقد والمرارة أن يتسربا إلى نفوسهم، أو أن تجلب لهم الضيق، من ثم يفقدون القدرة على التعاطف مع أي شيء جميل في هذه الحياة. إن سر الحياة يكمن في التسامح واتساع الذهن والعاطفة.... في الحب الشامل، واحترام الحياة حتى لو كان في أبسط مظاهرها وأقلها أهمية... في النظر إلى الإنسان بعاطفة تغفركل شيء ولا تعرف اللؤم.... في التفاؤل... في الابتسامة الدائمة في وجه الأفراح والأتراح التي تقدمها الحياة..... انتهى المقال، سلمته إلى مكتب التحرير، عادت إلى بيتها يملؤها شعور غامر بالرضا، السعادة، والحيوية.... ابتسمت وقالت لنفسها : حقاً... الحياة لا تعطي سرها وسعادتها بسهولة.... والذكي من يدرك أن سر الحياة هو الحب الشامل.... أحبوا الحياة... احتضنوا الحياة. - الرياض