متابعة - تركي إبراهيم الماضي / جدة – صالح الخزمري : يواصل الشعراء والأدباء والنقاد التعبير عن مشاعر الحزن لفَقْد شاعر سيد البيد، الذي وافته المنية بمكةالمكرمة بعد معاناة مع المرض، مشيدين بما قدَّم من إبداع شعري سيبقى شاهداً على ريادته أمداً من الدهر: - وقد عبَّر الكاتب والباحث محمد القشعمي عن تلقيه خبر وفاة الشاعر الثبيتي وهو خارج الوطن بقوله: تلقيت خبر وفاة الشاعر المبدع محمد الثبيتي هذا المساء وأنا في القاهرة من ابني يعرب، وكان له وَقْع في نفسي. لقد عانى - رحمه الله - من المرض منذ عامين، منهما قرابة ثمانية أشهر في مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية في الرياض، وكنا نزوره ونخرج معه بصحبة ابنه نزار في الحديقة، ونُسمعه بعض قصائده عبر المسجل، وكان ينصت إليها، وبعد أن نُقل إلى منزله بمكة أصبح الاتصال مع ابنه نزار. - فيما يشيد د. سهيل قاضي، رئيس نادي مكة الأدبي بالراحل، ويقول: لا شك أن رحيل الشاعر محمد الثبيتي يُعدّ خسارة على الوطن أجمع من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه؛ فهذا الشاعر حلق بالقصيدة السعودية إلى أفق أرحب، وكان علامة بارزة في تاريخها. لقد حصد محبة المبدعين، ونال الأضواء رغم أنه كان بعيداً عنها، ولا يسعى إليها، ولكنّ إبداعه جعله يُعرف في الوطن وخارجه مبدعاً متميزاً. إننا نعزي أنفسنا قبل أهله وذويه، وعزاؤنا للوطن أجمع ولكل محبي الشعر . - الأديب القاص محمد المنصور الشقحاء، وتحت عنوان (الثبيتي شاعر الرؤيا الحلم الواقعي) يقول: عرفت الشاعر محمد الثبيتي من خلال عاشقة الزمن الوردي وديوان تهجيت حلماً تهجيتُ وَهْما، ثم من خلال لقاء الأصدقاء في الطائف وحديث الصحف. جاء نص الثبيتي حداثياً ذا أفق حضاري متجاوزاً الذاتية الواقعية إلى الذات الحالمة التي تعانق قضايا الإنسان برؤية شعرية أذهلتنا وهو يرتقي التميز على مستوى بنية النص وفضائه على مستوى القائم، وهو يفجر الطاقة الإيحائية للغة التراث؛ ما أدى إلى تنوع وتعدد المقاربة لنصه في النقد العربي. لقد جاء محمد الثبيتي، عميد شعراء سوق عكاظ، في مستوى النقاش الموضوعي متجاوزاً التحامل المخضب بطابع التعصب العاطفي لملاحقة التطوير الطبعي لنص الثبيتي الشعري وربطه بتجاربه العميقة التي تساهم في بناء النصوص وتحديد تشكيلاتها ودقة عملية الصياغة عبر انسياب خيالي مع مَيْل إلى السرد في تشكل بلاغي رمزي تفرَّد به. - أحمد حامد المساعد، رئيس نادي الباحة الأدبي السابق، قال تحت عنوان (محمد الثبيتي.. حكاية مؤلمة)!!: بموت محمد الثبيتي - رحمه الله - طويت صفحة ما كان لها أن تُفتح، وأعني مأساته التي تحدثت عنها الركبان؛ لأنها صفحة جحود أكثر منها أي شيء آخر؛ فالرجل رمز ثقافي إبداعي يستحق الالتفاف حوله والتخفيف عنه، ليس بمجرد الابتسامات أو حتى كتابة المقالات التي لا تتعدى ما يُعرف بذر الرماد في العيون، وما هكذا تورد الإبل - كما قالت العرب - إذ من خلال مأساة محمد الثبيتي نتساءل عن دور وزارة الثقافة والإعلام تجاه محنته، هل تبنت الدعوة إلى التخفيف عنه بابتعاثه إلى الخارج على نفقة الدولة؛ باعتباره أحد المواطنين المستحقين للرعاية، وباعتباره أحد أدباء الوطن الذين أعطوا ولا يزالون يعطون رحيق أفكارهم ورؤاهم كما تفعل الأزهار، بدلاً من تنويمه في أحد مستشفيات الدرجة الثالثة أو الرابعة إلى أن يقضي نحبه؟ ثم أين دور صندوق الأديب الذي نسمع عنه ولم نره؟ وما هو دور زملائه الموهوبين، خاصة من كان منهم منتمياً لمدرسة سيد البيد ذاتها؟ أليس عاراً أن يظل وحده والمرض يفتك به وهم حينذاك ينظرون؟ ربما لم أكن ميالاً لقراءة قصيدة النثر إلا لماماً؛ لأني من قُرّاء عمر أبي ريشة ونزار قباني وغازي القصيبي وشيخهم أبي الطيب، ولكني أعلم أن الثبيتي أحد القلائل الذين يتمتعون بعمق ثقافي؛ دفعه إلى الانضمام إلى مدرسة شعرية من قبيل أن الناس أحرار فيما يعشقون، وليس من حق أحد أن يمارس الوصاية عليهم إلا بمقدار ما تسمح به قواعد النقد الأدبي الصرف!! رحم الله محمد الثبيتي، وعوّضه عن حياته بخير منها، وألهم آله ذويه الصبر.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. - حسن محمد حسن الزهراني، رئيس نادي الباحة الأدبي، يقول: إيه يا سيد البيد.. كيف رحلت وخلفتنا في جحيم المعاناة نندب (شمساً تهاوت وبدراً هلك)؟.. إيه يا سيد البيد.. من أين للشعر بعدك ثغرٌ وقيثارة ونجومٌ تزين صدر الفلك؟.. إيه يا سيد البيد.. غادرتنا بأرق القوافي وأرقى المعاني وأنقى الأغاني، وأوقعتنا في الشرك!!.. فاسأل السبت: هل كفن الشعر أم كفنك؟؟.. (يا ثبيتي) لا دمعنا بات يجدي ولا حزننا سوف يجدي فكل المراثي تعود لتستلهم البوح من ناظريك. (فسلامٌ سلامٌ سلامٌ عليك) إيه يا من أدرت لنا مهجة الشعري قل لي بربك كيف رحلت؟؟ ونحن (نصبناك فوق الجراح العظيمة حتى تكون سمانا وصحراءنا وهوانا الذي يستبد ولا تحتويه النعوت).. إيه يا من أدرت لنا مهجة الحب قل لي بربك كيف رحلت ونحن (نصبناك في دمنا نغماً لا يموت)؟.. (أنت والنخل صنوان) يا راحلاً بأماني القوافي وقد قال وضاح: إن الدموع التي جف ينبوعها حملتنا إلى بيدر من سكوت.. ومصاب الجزيرة يا صاحبي فيك مهما نحاول لا، لن تحيط بأوجاعه الحمر كل النعوت أنت والشعر صنوان يا سيد البيد.. إن مت جسماً فروحك والشعر والضوء لا، لن تموت.. لا لن تموت.. إيه يا سيد البيد.. - جبير المليحان، القاص المعروف: قَلّ ما يجود الزمان بشاعر حقيقي؛ ينتظر الناس كلماته، كما ينتظرون الأمطار، يحفظون قصائده كأسمائهم، ويتتبعون أخباره كتتبعهم لمنابع الفرح. هذا هو محمد الثبيتي، الذي أعطى لكلمة (شاعر) وهجها الخاص، ومعناها الحقيقي، بعد أن ابتذلت هذه الكلمة لكثرة من ركبوا مركبها، وأبحروا في الوهم وهم يصفون تلال الجمل الفارغة من أي لفة شعرية أو رؤية. شاعر التضاريس؛ أعطى للشعر معناه بلغة شعرية مصفاة، ومعنى يتنامى من همّ شخصي إلى هموم عامة. اليوم ونحن ندعو له بالرحمة، ونعزي أهله وأصدقاءه، نقول إن اللغة العربية بفقده تفقد شاعر زمانها؛ فمتى يجود الزمان بثبيتي آخر يُفجّر اللغة، ويستخرج من أناسنا، وهمومنا، وحكاياتنا، وأفراحنا المنتظرة، وصحارينا، ونخيلنا، ما تخبأ من ألم وألق. أبا يوسف عليك الرحمة والمغفرة. ** أنور بن محمد آل خليل، رئيس نادي أبها الأدبي: محمد الثبيتي يوم رحيله حزن - والله - للثقافة العربية. الشاعر الخلوق محمد الثبيتي، لم يكن إلاّ قامة أدبية سامقة يدفعه للعطاء حب الشعر وحب الإنسان وحب الجمال. محمد الثبيتي ذلك الخليط من الوهج والألم يسمو بالقول فترتقي معه مشاعرنا، صهر الحرف نوراً وسكبه على بيداء الوطن لتورق فيافيه بساتين من أزهار وشعر. - محمد علي قدس، القاص المعروف: وأخيراً ترجل فارس البيد بعد عناء التضاريس على إيقاعات زمن العشق، نوفي صحبة عاشقة الزمن الوردي، بدأ في الشعر رحلته، وعلى وقع أهازيج تغريبة القوافل رحل في المطر سيداً للبيد منهكاً بالتضاريس.. وأحلام الشعر.. أقبلوا كالعصافير يشتعلون غناء.. فحدقت في داخلي.. كيف أقرأ هذه الوجوه.. وفي لغتي حجر جاهلي.. بين نارين أفرغت كأسي.. ناشدت قلبي أن يستريح. يُعدّ محمد الثبيتي أحد أبرز الشعراء الحداثيين السعوديين المعاصرين، ومن أهم الشعراء العرب الذين صاغوا القصيدة النثرية على إيقاعاتها التفعيلية، ومن أكثرهم شهرة. يتميز قاموسه الشعري بمفردات وألفاظ، كان ينحتها نحت المتفرد، وهو مأخوذ بتيارات التحديث والاختلاف. حين شارك لأول مرة في نادي جدة الأدبي في أمسية شعرية شاركه في قراءات شعرية متميزة الشعراء عبدالله الصيخان ومحمد جبر الحربي وأحمد عائل فقيهي، وانطلق يقرأ بصوته الجهوري المؤثر: جئت عرافاً لهذا الرمل أستقصي احتمالات السواد جئت أبتاع أساطير ووقتاً وبين السبت قس ومدينة خدر ينساب من ثدي السفينة هذه أولى القراءات، وهنا ورق التين يبوح قل: هو الرعد يعري الموت؟ في تلك الليلة سهر مثقفو وأدباء جدة منتشين بتضاريسه، يتغنون في عشق تراتيله الشعرية، يتجاذبون الأحاديث حتى الصباح، يقرأ كل منهم معانيه وألفاظه الشعرية مأخوذين بتغريبة القوافل والمطر. وكان نصيب الثبيتي من النقد والمعارضة ما حقق له الانتشار، وحين فاز في نادي جدة الأدبي بجائزة الإبداع عن تضاريسه حُرم منها لصعوبة الفترة التي مُنح فيها الجائزة، وفي العام الماضي كرمته وزارة الثقافة والإعلام في مؤتمر الأدباء الثالث في الرياض بما يليق بمشواره وإبداعه الشعري. - د. يوسف العارف، شاعر وناقد عضو نادي جدة الأدبي (ويا سيد البيد.. عليك تلوت النبأ!!!) فاتحة: عليك تلوت «النبأ» وسورة «يس» و»الذاريات» و»فاتحة» الذكر و»الطور».. كانت لك المبتدأ!! عشقناك شعراً نقيّ الحروف.. وكنت بنا الصخر والمتكأ!! (2) مع هطول الأمطار في جدة مساء الجمعة 10-2-1432ه يأتينا النبأ الفاجع: مات سيد البيد؟! قلت إنها ساعة رحمة، ساعة التجلي والمغفرة، ساعة التقاء الأرض بالسماء!! إنها ساعة المثوبة والعطاء الرباني تستقبلك أيها الراحل العظيم. (3) كنتُ موقناً أبا يوسف بالرحيل الأبدي؛ لأنه «السيد الموت الذي يأخذ من كفك بعض أصابعها، ومن قلبك الأوجه الطيبة»!! كنتً موقناً بالرحيل منذ خاطبك الصيخان، عبدالله ذات مساء: قم يا محمد.. ومنذ بكاك الأكثرون في حياتك - الميتة، يوم كانت الغيبوبة حالك ومآلك!! كنت الحيّ - الميت.. منذ عامين يوم غيبوبتك الصحية!! اليوم تموت «يا سيد البيد»، واليوم تموت يا محمد الثبيتي، ولكن شعرك.. وإنجازك لا يموت!! (4) «تحية لسيد البيد» نص مختصر جداً قلت ذلك عنك ذات مساء ثقافي في الطائف، وقفت على هذا النص الشعري الجميل: «ستموت النسور التي وشمت دمك الطفل يوماً وأنت الذي في عروق الثرى نخلة لا تموت!! مرحباً سيد البيد وأنت الذي في حلوق المصابيح أغنية لا تموت!! وأنت الذي في قلوب الصبايا هوى لا يموت!! وقلت عنه: كل النسور تموت والنسور سادات الفضاء إلا سيد البيد يبقى حياً لا يموت؛ لأنه «النخلة» ولأنه «الأغنية».. ولأنه «الهوى»، وقد كنت يا محمد أولئك الثلاثة لأنك سيد البيد!! رحمك الله. وقبل شهر من اليوم انتابني رغبة في زيارة «الثبيتي» في داره بحي وادي جليل بمكة - شرفها الله - التقيت ابنه «نزار» الذي شارك أباه الشاعر في رحلة المرض والغيبوبة، وكذلك ابنه «يوسف» - حفظهما الله - فكانا نعم الابنين البارين، عظم الله أجرهما وكساهما من حلل الرضا في الجنة!! - الشاعر والكاتب أحمد عايل فقيهي: أعتبر أنا والفقيد من جيل واحد، ونمثل تجربة حداثية واحدة، وكنا ذلك الجيل الذي دفع ثمن مغامرته الإبداعي نتيجة الفكر التقليدي المضاد والسائد، وكنا ذلك الجيل الذي ذهب بالقصيدة الحديثة إلى مناطق متقدمة خارج الوطن في مهرجان المربد في العراق ومهرجان جرش في الأردن. ولقد شاركت مع الراحل الثبيتي في عمان في الأردن في مدينة إربد الأردنية، وذلك في مهرجان جرش؛ حيث مثلنا المملكة في الثمانينيات الميلادية، واشتركت معه في أمسية شعرية سنة 1406ه في نادي جدة الأدبي، وشاركنا في الأمسية عبد الله الصيخان ومحمد جبر الحربي، وقد كانت أمسية فاصلة، وقد كتب عنها د. عبد الله الغذامي في كتابه حكاية الحداثة، وكان الحضور كبيراً، واشتركت معه في أمسية شعرية أخرى في فرسان. محمد الثبيتي يمتلك تجربة شعرية فريدة امتزجت فيها ثقافة الصحراء، وقد جمع ما بين اللغة الكلاسيكية والتقليدية والحديثة، إلى جانب أنه مثل قامة إضافية وإبداعية للمشهد الشعري السعودي. وعندما تكتب حركة الحداثة الشعرية في المملكة بإنصاف كبير ومنهم الذين ساهموا في إضاءة هذه التجربة، فسوف يحتل محمد الثبيتي موقعاً كبيراً ومتقدماً في حركة الثقافة السعودية بوصفه أحد المؤسسين والمؤثرين في هذه الحركة الشعرية. إن محمد الثبيتي لا يقل أهمية عن شعراء عرب كبار، وتجربته الشعرية ينبغي أن تعاد قراءتها بعمق وبفَهْم، وهي تستحق أن تكون مثار ندوات نقدية . - الأديب عمر طاهر زيلع: الرجل سطع في مرحلة، وكان فريداً في الطرح في المرحلة التي عاش فيها، وفي ذروة عطائه قدّم نصوصاً مغايرة لما هو سائد ومألوف، ورغم أنه نشأ في بيئة ريفية إلا أنه انطلق بقوة نحو العصر الذي عاشه شعرياً، وبعد أن داهمه المرض جاءت شيخوخته لتنتصر على شبابه، وقد أفضى إلى ما قدم، ولا نملك إلا الدعاء له، فنحن في عالم وهو في عالم آخر، ونسأل الله ألا يَفتّنا بعده. - عبدالله الشريف، الكاتب المعروف: شاعرنا الأديب المتميز محمد الثبيتي افتتح عصر الحداثة الشعرية في تضاريسه، ثم شدا بقصائده التي لا تجد منها واحدة تشذ عن شعره القوي الذي يؤثر في سامعيه، حتى العناوين تغريك أن تكون من متابعيه. تابعت دواوينه، ومنها ديوانه عاشقة الزمن الوردي. وقد قال القصيدة العمودية والتفعيلة، وفي كليهما رقي في المعنى وعمق في الصورة. وقد أبدع في مجال عمله في التربية وفي الشعر، وفي أمسياته الشعرية رقي بالروح في زمان تخلى فيه أكثر الناس عن الرومانسية. رحم الله شاعرنا الأديب الكبير محمد الثبيتي، وهو إن رحل عنا جسداً فسيبقى بيننا؛ فالعظام لا يموتون؛ تغيب أبدانهم وتبقى أصواتهم؛ فالعزاء للوطن أجمع، ولأسرته ومحبيه. - الشاعر يحيى حسن توفيق: يحق لنا أن نفخر بما قدمه الشاعر المبدع محمد الثبيتي - رحمه الله - للقصيدة الحديثة، التي كان أحد رموزها، وكان أحد الرموز الذين كان لهم صوتهم، ليس على المستوى الداخلي فحسب، بل تعداه إلى خارج حدوده. لقد افتقدناه منذ ما يقرب من العامين عندما تعرض لجلطة ألزمته الفراش، وكم كنا في أمل أن يعود حتى أتت هذه اللحظة التي ودع فيها الدنيا، وذلك أمر الله لا مفر منه. أتمنى من كل المبدعين والنقاد والمؤسسات الثقافية أن تهتم بتراث هذا الشاعر؛ فذلك حفظ لمكانته، وعلينا أن نهتم بشعره نقداً وتحليلاً واستشهاداً به في حياتنا. - د. عوض الجميعي، الأستاذ بقسم البلاغة، قسم اللغة العربية، بجامعة أم القرى، الناقد المعروف، عبّر عن حزنه العميق لوفاة الشاعر الثبيتي الذي تزامن فقده مع فقد والده - رحمهما الله -، وقال: لا شك أن المتتبع لمسيرة الشعر في المملكة لا يمكن أن يغفل اسما كمحمد الثبيتي؛ ففي ظني أن كل المشتغلين بالقصيدة الحديثة في المملكة لا يمكن أن يغيب عن بالهم هذا الرمز الذي فرض نفسه بقوة. الثبيتي شكّل مرحلة مفصلية في تاريخ القصيدة الحديثة، وكنا ننتظر منه المزيد، ولكنّ لكل أجل كتاباً، وعزاؤنا فيما ترك من إرث سيبقى شاهداً على ما قدّم لوطنه. رحمه الله رحمة واسعة. - الشاعرة د. إنصاف بخاري: موت الشاعر غيض لمفاتن الحياة وانطفاءة لوهج الجمال. محمد الثبيتي شاعر بنكهة الشذى الآتي، وبقامة التجديد المدروس والإبداع الفاعل والأداء المتلون أصالة وتحديثاً. هو شاعر الغموض المشف، والثلاثة الغامضة، والتكنيك الذي يمثل فردية الأداء، وتميُّز التعاطي. لتصل إليه لا بد أن يتسلط على وقتك وفكرك وتأملك. الثبيتي خارطة وحده في الشعر السعودي الحديث. رحمه الله. حسد الزمان على الورى أيامهم فابتزها منهم ولم يتورعا فالله يرحمه ويجعل قبره روضا فسيحا مستنيرا ممرعا - د. أحمد بهكلي، الشاعر المعروف: لم يكن محمد الثبيتي شاعراً فحسب؛ لقد كان مربياً وصاحب موقف فني. بلغ الثبيتي شأوا لم يبلغه أي من مجايليه، وقد ترك شعراً راقياً بشكليه البيتي والتفعيلي، وكان يطرح أفكاره بجرأة شديدة ولغة أنيقة. لم ينصفه النقاد لضعف أدواتهم ومواربتهم في تعليقاتهم التي يسمونها نقداً، وأستثني منهم محمد الشنطي. رحم الله فقيد الشعر، وألهم ذويه الصبر . - الشاعر فاروق بنجر: (سيد البيد) سيد البيد غادرها ظامئاً في المساء وودعنا صامتاً وهي تمطر والأرض معشبة حوله والسماء تحلق في بعدها وهو يومئ مستشرفاً زمناً في السماء.. هكذا مضى سيد البيد محمد الثبيتي في آخر النهر والقلب إلى السماء والناس يظنون أن الرحلة إلى السماء غياب، وأنها الحضور في الخلود الأبدي. ذهب الشاعر وهو يردد (ترتيلة البدء) في الختام بعد أن كابد الأرض والماء والأرجوان: (ما احتسى غير كأس ثمالتها الشعر والأرض والماء والأرجوان). رحل شاعر التضاريس بعد أن ملأ زمنه الشعري بشاعرية الصوت الجديد، ودهشة اللغة المبتكرة، ولماحية الصورة المشتعلة بالإبهار والذهول والغموض الشفيف والنبض الرهيف.. ما مَرّ كالطيف، وإنما عبر في براري الظمأ واللهفة يجتلي في الفضاءات البعيدة ينابيع مختبئة لماء جديد ذهب ولم يترك عنوانه، ولكنه نقش حرفه في أيقونات جيلين من الشعراء الذين اشرأبت وجوههم بعده، وعليهم سيماء التضاريس.. والشاذلية.. والزعفران والعنب الرازقي والدرك. رحم الله سيد البيد، والعزاء فيه مقام . - عبدالله حامد، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد بأبها: الثبيتي كثافة المعنى.. دهشة الفن! يجب حين نتحدث عن الراحل محمد الثبيتي - عليه شآبيب الرحمة والمغفرة - أن نستحضره بهالته الشعرية التي لا تشبه أحداً! فهو قامة شعرية بنت لها وجوداً خاصاً، متجاوزة باقتدار النمطية الرتيبة، ومستعلية على التجديد الواهن! ترى أي إخلاص للشعر ذاك الذي استحضره الثبيتي، وناضل من أجله، وكم هو الزمن الذي قضاه قارئاً للشعر، ومستعرضاً جيده ورديئه، حتى وصل إلى لحظته الشعرية الخاصة.. إنني أجزم بأن إخلاصاً متناهياً للشعر كان خلف هذا الحضور المدهش. رحم الله الثبيتي؛ فقد أبقى لنا من المجد الشعري ما جعلنا نثق بأن الشعر هو «ديوان العرب» على الرغم من كل الفنون المنافسة؛ حيث أحيا للشعر مواته، وجعل له مكاناً عليّاً في ساحتنا الإبداعية، وحيث - وهو الأهم - قضى على ازدواجية «اللفظ والمعنى»؛ فجاء شعره محملاً بكثافة مضمونية وغنى فني باذخ.. - القاص جمعان الكرت، نائب رئيس نادي الباحة الأدبي: مَنْ يستطيع أن يقبض على جمر القصيدة؟ هذان العامان هما عاما فجيعة الشعر بفقدان شاعرين بارزين متألقين، هما محمد الثبيتي وغازي القصيبي، وبعد رحيلهما ماذا بقي للشعر والشعراء؟ سؤال حارق وموجع كنصل حاد. الشاعر الراحل محمد الثبيتي عرفته عن قرب عند زيارة الوفد الثقافي السعودي لدولة اليمن الشقيق، وشارك مع عدد من الشعراء السعوديين في إحياء أمسية شعرية في جامعة صنعاء، وأخرى في مدينة المكلأ. وأذكر ساعة وصوله باحة الجامعة على مقربة من القاعة التي أُقيمت فيها الأمسية استقبله عدد من أبرز مثقفي اليمن, مرددين مطلع قصيدته الشهيرة (أدر مهج الصبح وصب لنا وطناً في الكؤوس يدير الرؤوس، وزدنا من الشاذلية حتى تضيء السحابة).. كان احتفاءً مبهجاً بالشاعر الثبيتي، وألقى قصائده الشعرية تغريبة القوافل والمطر، التضاريس، موقف الرمال، موقف الجناس، أمضى إلى المعنى، وغيرها.. وحلّق الثبيتي في فضاء الإبداع، وجودة في الشعر, ورصانة في المعنى، وبراعة في الإلقاء، وفخامة في الصوت. ويُعدّ الثبيتي - بحسب شهادة كبار النقاد - أبرز الشعراء المعاصرين؛ تميز بالمفردة المنتقاة, والرؤية العميقة، ومراوغة المعنى، واختزال الماضي، وتشطي الأسئلة حول المعاني البعيدة والجميلة. وها هو شراع الثبيتي يمضي دون اشتهاء.. وها هو الثبيتي يترك صداقته للبلابل والمدائن والحرائق؛ ليتركنا نحدق لنبحث عنه ولم نر إلا شميماً من أراك, لم تعد الشمس تقطر من شفتيه، أما صمته الشاهق فلم يعد أيضاً يبوح بأسارير البلاد, وها هي النخلة تنفصل عن الثبيتي؛ لينشطر تاركاً لها البوح بما أفضى لها من أسرار، ليس بمقدورنا أن نقبض على جمرة الشعر فهي حارقة.. حارقة.. بعد رحيل الثبيتي.. - ناصر بن محمد العُمري، كاتب وأديب: كما هو حال كل الأشياء الجميلة التي لا تموت حتى ولو غادرت المكان أو المشهد حسياً، فإنها تترك أثراً باقياً أبد الدهر. محمد الثبيتي سنظل نراه حاضراً في كل حين، عند حضور صورة شعرية باذخة سيهطل طيفه كنسمة دافئة، عند ذكر البيد سيأتي متوجاً كسيد لها، في كل لحظة مورقة من حياة السيد شعر سيكون للثبيتي محمد ((حضور)) بهيئته البسيطة وشاربه الكثيف وإحساسه الرهيف، وطيبة قلبه سنذكرها كلما جال بنا طائف من الطائف المأنوس عبر ((مبدعي الطائف)).. شخصياً ارتبط لدي الطائف بحفنة من المبدعين والظواهر الكونية في العصر الحديث، هنا ((فهد ردة - هناك فايز المالكي - في ناحية ما مساعد الزهراني))، وفي مكان عال من هذه المساحات الممتلئة بالمبدعين يجلس محمد الثبيتي يرقب المشهد، تلفح وجهه نسمة، فيبتسم، يمتص الرحيق من الحريق، وهو ماض إلى المعنى يرفع بصره.. يحدق نحو السماء. هل يُعقل أن يزول أثر شاعر مجدد باذخ.. يدون الشعر بلهفة ورشفة... بخفة ورشاقة؟؟؟ محمد الثبيتي سيذكره الإبداع.. رحمك الله يا سيد البيد، وعوضنا فيك وعوّض ساحة الشعر خيراً؛ فقد كنت للشعر مخلصاً، وللمعنى موالياً، وللسحر والجمال منحازاً.. وثق بأن هذه المعاني باقية رغم موتك، وستعمل هي على منحك مساحات للبقاء بيننا. - الكاتب عمرو العامري: هذا هو سيد البيد.. عراف الرمل.. محمد الثبيتي.. استراح أخيراً وأراح. لكن الإنسان لا يموت ساعة موته، هكذا قال أندريه مالرو.. وهكذا سيفعل الثبيتي، عاش وهو مشكلة.. وعبر برزخ الحياة نحو بوابة الخلود.. وهو مشكلة أخرى.. مشكلة لضمير هذه الأمة التي لا تحتفي بالخالدين إلا بعد أن يغيبهم الموت.. أمة تحتفي بالغياب. - أ.د. جبريل حسن العريشي، أستاذ المعلومات عضو مجلس الشورى: فُجعنا كما فُجع الوسط الأدبي والثقافي السعودي والعربي بوفاة الأديب المتميز والشاعر الكبير محمد الثبيتي، الذي وافته المنية مساء يوم الجمعة في مكةالمكرمة، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض. لم يختلف اثنان على شاعرية الثبيتي، لا التقليدي ولا الحداثي، ولا من يود القفز إلى ما بعد الحداثة. حجتهم هي أن الثبيتي استثناء، استثناء لا يُدرج في سياق الخلاف حول الخيارات الشعرية. لقد كان الشعر عند محمد الثبيتي مصاناً بالحقّ وبالصدق، وبنبل المقاصد وسموّ المواضيع، وتعدّدت أشكال العطاء الأدبي والفني عند أديبنا.. فمن أعمدة الصحف والمجلات والدوريات إلى صفحات الدواوين إلى المشاركة الفاعلة في الأمسيات والمهرجانات واللقاءات.. رحم الله الأستاذ محمد الثبيتي، رجلاً مؤمناً، مسلماً، مفكراً، وباحثاً، ومثقفاً، وشاعراً، وفنّاناً، وإعلامياً،رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. -عبَّر الإعلامي جبريل أبودية عن حزنه العميق لفقد الراحل الشاعر محمد الثبيتي وقال: رحم الله الصديق الطيب القلب المفعم إنسانية ومودة.. الشاعر العربي الكبير البدوي الرائع المسحور بالشعر حتى الثمالة (محمد الثبيتي).يقول عن نفسه في سطور بسيطة - أشبه ما تكون صوراً فوتوقرافية لوجهه المبلل بالأماني وروحه الصادقة - في مقدمة مجموعته الشعرية (عاشقة الزمن الوردي): «منذ مدة طويلة.. وأنا أُورط نفسي في اقتحام مجاهل الشعر وذرع متاهاته المسحورة، أحاول هزَ أفنانه اللدنة لتمطر لي الورد، والفراشات والسوسن والأصداف, وتمنحني الإكسير الذي يهب الحب والحياة».