يبدو ان الحرب التي افتعلتها حركة "حماس"، بسبب موقف السلطة الفلسطينية من تقرير غولدستون، سترتد عليها في شكل موجع. في البداية بالغت في حملتها على موقف الرئيس محمود عباس لتغطية توافق موقفها من التقرير مع الموقف الإسرائيلي، بالتالي استخدمت الحملة لتشويه سمعة السلطة ونزع شرعيتها، لكن حملتها توافقت، مرة أخرى، مع الموقف الإسرائيلي، وغيّبت خطورة توسيع المستوطنات، وطغت على الاهتمام بقضية تهويد القدس. "حفلة التقرير" أثبتت مجدداً ضعف الحس السياسي لدى حركة "حماس"، فهي تمادت في حملتها الى درجة التأثير على اتفاق المصالحة، فاستقبلت السلطة الفلسطينية موقف "حماس" على طريقة لم نأمر بها ولم تسؤنا. فالسلطة لا توافق جوهرياً على اتفاق المصالحة، الذي بين أضراره عليها توحيد الأجهزة الأمنية، واحتضانها أفراد المقاومة، وقبول تأجيل الانتخابات، ولهذا سعت السلطة الى توتير علاقة الحركة مع مصر، من خلال التركيز على ارتباط "إمارة حماس" بجماعة "الأخوان المسلمين" العالمية، لإدراك السلطة وقيادات "فتح" حساسية مصر إزاء هذه القضية، لكن "حماس" لم تستوعب الفخ بعد، وتمادت في التصعيد الذي أصاب على نحو ما الجهود المصرية لتوحيد الصف الفلسطيني في المفاوضات المرتقبة. والنتيجة، إذا استمرت "حماس" في استبدال السياسة بالشعارات، أن السلطة الفلسطينية ستجد في عرقلة المصالحة فرصة للمضي في اجراء انتخابات مبكرة، والظروف تشير الى انها ستكتسح الضفة الغربية، ولعل استقبال عباس استقبالاً حافلاً في جنين التي رفضت استقبال الرئيس الراحل ياسر عرفات، مؤشر الى ان السلطة نجحت من خلال التضييق على الناس في تطويع المواطنين في الضفة، فباتوا مستعدين للقبول بأي حل. الأكيد أن التناقض الذي تنتهجه "حماس" برفعها شعارات وطنية، وعملها لإنجاح مشروع "الأخوان المسلمين" في إقامة "إمارة إسلامية" أممية، سيزيد عزلتها، وستجعل من قطاع غزة "أفغانستان فلسطينية"، فضلاً عن أن إصرارها هذا يصب في المصلحة الإسرائيلية بإعاقة الحل النهائي، ويهدد الأمن القومي المصري، ويفتح الاحتمالات على مستقبل سياسي وأمني مفزع. وخطورة ما تفعله "حماس" يمكن تخيله بقراءة ما تقوم به حركة "طالبان" في أفغانستان. لكن الأمل أن تمضي "حماس" في التوقيع على وثيقة المصالحة في النصف الثاني من الشهر المقبل، كما تشير المعلومات، فتنقذ وحدة الصف الفلسطيني.