موضة «العودة الى ملاعب» أو بالأحرى فورة «الإشتياق» الى المباريات «ونكران» مقولة «سئمنا المنافسة»، ضربت بقوة في الشهور الأخيرة في عالم التنس، وأصابت تحديداً البلجيكيتين المصنفتين أوليين سابقاً كيك كلايسترز وجوستين هينان. ولحقت بهما المخضرمة اليابانية «المغمورة» كيميكو داتي كروم. وكانت «الرائدة» في هذا المجال الأميركية ليندساي دافنبورت (العام الماضي) والسويسرية مارتينا هينغس التي سجلت عودة خاطفة غير مثمرة. و»الموضة التنسية» لم تشذّ عن قاعدة الحنين الذي تملّك نجوماً في رياضات كثيرة، منها كرة السلة والغولف والملاكمة والسيارات... أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي، فجّرت اليابانية داتي كروم مفاجأة، إذ أحرزت وهي في سن ال39 لقب دورة سيول الكورية الجنوبية، بعد سنة على عودتها الى الملاعب، عقب اعتزال دام 12 سنة! والجيل الجديد من جمهور التنس لم يعرف داتي حتماً. لكن الجيل القديم الذي واكب لاعبات أمثال الألمانية شتيفي غراف والأميركية مونيكا سيليش والإسبانية أرانتشا سانشيز يتذكر حتما الفتاة اليابانية الصغيرة (1,62م)، صاحبة الابتسامة الجميلة، والتي كانت تلقّب بنحلة الملاعب بسبب سرعتها في التنقل، وتسديد ضربات سريعة أهلتها عام 1995 الى بلوغ الموقع الرابع عالمياً، بعد ستة أعوام من احترافها. لكن ما لم يكن متوقعاً في مسيرة هذه اللاعبة هو اعتزالها المبكر عن عمر 26 سنة صيف 1996، بعد شهر من إحرازها دورة سان دييغو الأميركية متغلبة على الإسبانية سانشيز فيكياريو المصنفة ثالثة عالمياً. يومذاك، أعلنت داتي أنها تعبت من أجواء هذه الرياضة التي بدأت تزاولها مذ كانت في سن الثامنة. وضعت داتي حداً لنشاطها التنافسي وفي جعبتها سبعة ألقاب، والى حين لقائها بزوجها الدراج الألماني ميكايل كروم عام 2006، والذي طلب منها تحقيق أمنية له، وهي أن يراها تلعب التنس مجدداً. وهذا الرياضي المتابع لبطولات التنس ودوراتها راح يقارن بين اللاعبات الصاعدات وأداء زوجته، ويجدها أفضل وأكثر كفاءة. و»الزوجة الصالحة» نزلت عند رغبته بعد ممانعة، وتحمست خصوصاً بعد عودة دافنبورت الى الميدان. إستانفت داتي كروم مسيرتها من خلال دورات الفئتين الثالثة والثانية، أي للاعبات اللواتي يزيد تصنيفهن عن المئة. واستطاعت في غضون سنة إحراز دورتين، وخوض مباريات نهائية أخرى أهلتها لدخول نادي المصنفات ال200 الأوليات. وهذه السنة، طلبت داتي كروم بطاقة دعوة خاصة «وايلد كارد» من منظمي بطولات ال»غران شيليم»، وحصلت عليها في أستراليا وويمبلدون. لكنها في كل مرة كانت تُقصى من الدور الأول، تماماً كما حصل معها في الدورات الخمس من الفئة الأولى التي حصلت على دعوات للمشاركة فيها، قبل أن تحقق المفاجأة في سيول وتحرز لقبها الثامن بعد إسقاطها لاعبات مصنفات بين ال50 الأوليات. فأضحت ثاني أكبر لاعبة في التاريخ تحرز لقباً بعد الأميركية بيلي جين كينغ عام 1983 (39 سنة وسبعة أشهر)، وأول لاعبة في التاريخ تحرز لقباً جديداً بعد 13 سنة على آخر لقب لها. وتعترف داتي كروم أن ما أبقاها صامدة على رغم خيبات العودة رغبة زوجها ومساندته لها، وأيضاً استمتاعها بلعب التنس خلافاً لما كانت حالها في «أيام عزها»! وتكشف داتي كروم أن فوزها في سيول يعود الى أمر آخر: «عندما شاهدت فوز كلايسترز في نيويورك (إحرازها لقب فلاشينغ ميدوز)، تملكني شعور غريب بأن هناك إمكان للفوز مجدداً على لاعبات يصغرنني سناً، فنسجت على منوالها». من جهتها، تحض كلايسترز بعض اللاعبات اللواتي إعتزلن في الأعوام الخمسة الأخيرة التفكير بالعودة مجدداً الى الملاعب. وتوضح النجمة البلجيكية المتجددة سر الراحة النفسية التي حفزتها على العودة بعد إعتزالها «نحن لاعبات التنس ندخل عالم اللعبة في سن مبكرة، ومن الطبيعي بأن يحين وقت نرغب فيه أن نعيش بحرية بعيداً من الضغوط. بعد اعتزالي عام 2006، شعرت بسعادة لم أختبرها من قبل: ترفيه، رحلات، زواج، استمتاع بوقتي. كل هذا أمّن لي استقراراً نفسياً كنت بأمسّ الحاجة إليه، فضلاً عن حضور زوجي (لاعب كرة السلة بريان لينش) الذي كان يصرّ دائماً علي ألا أتوقف عن مزاولة الرياضة حفاظاً على رشاقتي». وتلفت كلايسترز إلى «أن الرغبة لخوض المباريات والبطولات الكبرى تتأجج بعد فترة الراحة. نعود بنشاط كبير، وبذهنية قوية ومعنويات مرتفعة، ونخوض المباريات بروح مرحة ومرتاحة بعيداً من الضغوط، لأن هدفنا يصبح فقط التسلية وتقديم الأفضل. وهذا سرّ تألقنا، في حين تحمل اللاعبات الأخريات عبء الموسم وإرهاقه الجسدي والمعنوي». وعلى غرار كلايسترز وداتي كروم، كانت عودة دافنبورت، المصنفة أولى عالمياً، الى الملاعب بعد عامين على اعتزالها، مناسبة لها لإظهار قوتها وقدرتها على التنافس فأحرزت ثلاثة ألقاب، ودخلت نادي ال50 الأوليات قبل أن تبعدها الإصابة مجدداً. وتقول أنها لم تعد «بهدف تحقيق لقب كبير أو استعادة صدارة التصنيف. كنت فقط راغبة بأن ألعب التنس مجدداً، وأن أعتزل عندما أشعر بأني فقدت الشهية على اللعب، وهذا ما لم يحصل عند اعتزالي الأول، إذ أدت الإصابات والإرهاق إلى قراري، إضافة إلى رغبتي بالإنجاب وهذا ما حصل». وتنصح دافنبورت بدورها اللاعبات الحاليات، بالحصول على فترة نقاهة بعد مرور فترة سبعة أو ثمانية أعوام على احترافهن، «إنها فترة ضرورية كي يتمتعن بجمال الحياة الخارجية، وبثرواتهن». داتي كروم تستعد لخوض موسمين إضافيين مستقبلة عتبة سن الأربعين بحيوية زائدة، وكلايسترز انخرطت في برنامج إعداد يؤهلها لظهور مشرّف وأداء تنافسي صلب خلال موسم 2010. وهينان تنطلق من مباريات استعراضية «تختبر» فيها حضورها مستمدة من البريق المتجدد لمواطنتها كلايسترز لتحذو حذوها. وهواة اللعبة يأملون ب»إنخراط كامل» لهينان، وبفصول مقبلة من المنافسة المحتدمة بين البلجيكيتين على غرار مطلع العقد الحالي.