اتجه منتجو الدراما اللبنانية أخيراً إلى الأعمال «المشتركة» أو «المطعّمة» بالنجم العربي من أجل تحقيق «الانتشار الإقليمي للدراما المحلية»، كما يقول صاحب شركة «أونلاين» اللبنانية للإنتاج زياد شويري. وأثبتت هذه الخطوة نجاحها حتى الآن، وفق أرقام المشاهدات التي حققتها هذه الأعمال. لكنّ الوجه الآخر من التجربة، يعني أن الدراما اللبنانية «الصرفة» متأخرة نسبياً أمام نظيراتها العربية، لا سيما المصرية والسورية، أقله من جهة استقطاب الجمهور العربي، على رغم تفوق الإخراج التلفزيوني اللبناني في مجال الإعلانات والكليبات المصورة. من هنا فإن نجاح الدراما اللبنانية سابقاً، ونجاح صناعها في الأعمال «المشتركة»، يطرحان سؤالاً مهماً حول المشكلة الداخلية، فهل تكمن في نوعية النصوص أو كيفية الإخراج أو في بعض الممثلين أنفسهم؟ التواجد في مواقع تصوير أكثر من عمل لبناني وسوري - لبناني مشترك، يلقي بعضاً من الضوء على الموضوع من ناحية الممثلين، من خلال بعض المقارنة والملاحظة. وبصرف النظر عن الموهبة، يمكن ملاحظة أن الممثل السوري في «اللوكيشن» لا يخرج إجمالاً عن شخصيته الدرامية طوال يوم التصوير. نصه دائماً معه، وهو حريص جداً على تأدية «البروفا» أكثر من مرة مع زملائه، وحتى عند خروجه من «الكادر» يسلم الممثل الآخر جمله بمستوى وجوده فيه ذاته من أجل مساعدته على اتخاذ ردود الفعل الصحيحة. أما بعض الممثلين اللبنانيين، بخاصة جيل بعد الحرب، الذين تواجدوا في المواقع ذاتها، فيعتبر حمل النص عيباً، لذا يضطر إلى «التلصلص» على نصوص زملائه، فيما بعضهم الآخر بمجرد خروجه من «الكادر» يخرج أيضاً من دوره، ويكسر إيقاع زملائه، ويسلمهم الجمل كتلميذ يقرأ نصاً في الصف الأول ابتدائي، عن قصد أو عن غير قصد. لكنّ سوء النية يتجلى واضحاً عند تأدية الممثل المقابل له جملته في شكل مميّز، فلا يتردّد في الدخول عليه أو على جملته، علّ زميله يؤدي في شكل أقل إبداعاً عند الإعادة. والأمثلة التي تُخجِل لا تنتهي. حتى بعد إنتهاء التصوير والذهاب إلى الفندق، يستأذن الممثل السوري باكراً: «علي تحضير مشاهد الغد». أما بعض اللبنانيين فلسان حالهم يقول: «في أي غرفةٍ السهرةُ اليوم؟»... الفرق في العقلية واضح. وبرأي الممثل فيصل إسطواني: «في لبنان، لدينا نخبة من الممثلين الحقيقيين والمبدعين، صحيح أنهم قلّة، لكنهم مميزون وأقوياء. ولكن هناك كثيراً من الفطريات كالمعنيين بالشكل الخارجي المغري والجميل الذي يعجب المنتج فيهتم به من دون الموهبة». ومن حسن حظ الدراما اللبنانية أن معظم جيل الممثّلين الشباب في لبنان، بخاصة الذين برزوا في الأعمال «المشتركة»، يتّسمون بالعقلية الاحترافية، البعيدة من هذه «الولدنات»، فقد تكمن خشبة الخلاص فيهم. أما من ناحية النصوص، فنسبة كبيرة منها وللأسف، بعيدة من واقع المجتمع اللبناني، ولا تتحدث عن فئاته او عن همومه الحياتية، بل تستجر افكاراً خيالية او بعيدة منه، وإن اقتربت مرة، فهي تلامس القشور. الأمر الذي يؤكده ل «الحياة» الممثل طارق تميم: «لدينا مشكلة في كتابة النصوص، هناك كتّاب لبنانيون احتكروا السوق وأغرقوه بأعمال لا تغطي الواقع ولا تعكسه». وأكثر ما يدلّ على ذلك شعورنا وكأننا غرباء عما نشاهد في كثير من المسلسلات المحلية. ويقول ل «الحياة» احد الممثلين العرب: «الوجع الذي من الممكن أن تحمله الدراما اللبنانية المعاصرة يشبه وجع من فقد هرّة، أما وجع الدراما السورية، فوجع من فقد أباً أو غالياً على نفسه». وتتحدّث الممثلة ليليان نمري عن ضعف النصوص الدرامية التي «لا تعطي الصورة الكاملة والحقيقية عن لبنان، والتي نحتاج إلى أن نجد فيها بعض الجرأة من خلال الإضاءة على همومنا ومشاكلنا الحقيقية»، مقترحةً أيضاً اعطاء الكتّاب الشباب المبدعين فرصة. تقول الممثلة نادين الراسي التي صنعت رصيداً مهماً من الخبرة في الأعمال العربية، إن الدراما السورية في الصدارة، على رغم «أن ممثلينا موهوبون كممثليهم، ومخرجينا موهوبون كمخرجيهم، لكن هم يصورون الواقع، يدخلون إلى الشارع ، إلى بيوت الناس، إلى مشاكلهم». وبعض الإخراج اللبناني يساند النصوص في الذهاب بعيداً من الواقع، التفاصيل الصغيرة التي يبنى عليها المشهد الأكبر، لا تزال سطحية وفي كثير من الأحيان خاطئة. فقط في المسلسلات المحلية نرى متسولة وكأنها خارجة من عند مصفف الشعر. ومن ناحية أخرى يتجه كثير من المخرجين للتعويض أو الجذب من خلال الاعتماد على الجمال النسائي، ويعتمد على فخامة أو جمالية الصورة أكثر من مضمونها. ويشرح الممثل غابرييل يمّين المشكلة قائلاً: «اليوم يضعون كنبة و«فخدين» ويقولون للناس هذا مسلسل، أنا لا أقبل أن أشارك في أيٍّ من الأعمال الحاليّة السخيفة والضعيفة. كل ما يقدّم اليوم ليس فناً». المشكلة في الإخراج يحدّدها المخرج اللبناني سمير حبشي الذي يضع المسؤولية الأولى في أي عمل درامي على المخرج قائلاً: «هو من يختار النص والممثلين ويحدّد خياراته الإنتاجية». ويضيف: «اشرفلي أقعد بالبيت ولا اشتغل شي ما بيقنعني»، معتبراً أن «الفوضى وعدم الجدية» هما النكبة الكبرى في هذا المجال. ويصف واقع الإخراج في لبنان بال «هواتيزم»: «بعضهم يظن الإخراج هواية وليس مهنة أو علماً وبالتالي جلوس الأشخاص الخطأ في كرسي المخرج وقبول أي نص بأي إنتاج، والنتيجة مسلسلات فاشلة في معظم الحالات». وفي هذا السياق، يلفت المنتج شويري إلى أن «السوريين متفوقون على صعيد النص والمخرج المنفذ كثيراً وفي سرعة التنفيذ وإدارة الممثل. في سورية هناك غزارة انتاج كبيرة، لذلك يكتسب المخرج والممثل والمخرج المنفذ والفريق التقني خبرة كبيرة وطويلة، ونحن نستعين اليوم بهذه الخبرات لتطوير الدراما اللبنانية».