يستدعي ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على الموقوفين الشيخ أحمد الغريب ومصطفى حوري وكل من يظهره التحقيق في «جرم تأليف عصابة مسلحة للنيل من سلطة الدولة وهيبتها والتعرض لمؤسساتها العسكرية والمدنية وتشكيل خلية إرهابية ووضع عبوات وسيارات مفخخة وتفجيرها أمام مسجدين في الشمال»، إضافة الى ادعائه على النقيب في الجيش السوري محمد علي، وعلى خضر العريان بجرم «وضع سيارات مفخخة وقتل الناس»، وعلى الشيخ هاشم منقارة بجرم «عدم إخبار السلطات بالمعلومات عن التحضير لتفجير السيارتين»، اجراء قراءة متأنية للحملات التي تبودلت فيها الاتهامات حول التفجيرين الإرهابيين والتي تبين حتى الساعة أنها لا تمت للحقيقة بصلة. ومع أن من السابق لأوانه الغوص في ملف التحقيق الأولي الذي أملى على القاضي صقر الادعاء على الأسماء المذكورة وإحالة أصحابها على قاضي التحقيق العسكري الأول القاضي رياض أبو غيدا الذي ينتظر أن يباشر اليوم التحقيق مع ثلاثة موقوفين وجاهياً هم الغريب وحوري ومنقارة، واثنين غيابياً هما النقيب السوري محمد علي ومواطنه خضر العريان، لا بد من تسجيل الملاحظات الآتية: - أن توقيف الغريب وحوري ومنقارة تم بناء لإشارة من النيابة العامة، وأن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي أخضعتهم إلى تحقيق طويل على مراحل. واكبها أولاً مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالوكالة القاضي داني زعني، لوجود الأصيل القاضي صقر في الخارج، ليعود فور عودته إلى بيروت لمواكبة التحقيقات وبمتابعة دقيقة ومباشِرة من المدعي العام التمييزي بالإنابة القاضي سمير حمود، وهذا يعني سقوط نظرية توقيفهم على خلفية انتماءاتهم السياسية. - تبين من خلال سير التحقيقات الأولية وكما تقول مصادر لبنانية رسمية، أن لا علاقة للتفجيرين الإرهابيين اللذين استهدفا مسجدي «التقوى» و «السلام» في طرابلس بالانقسام العمودي الحاد بين السنّة والشيعة، وأن التفجيرين جاءا رداً على التفجير الإرهابي الذي استهدف حي الرويس في الضاحية الجنوبية لبيروت. - أسقطت التحقيقات الأولية وحتى إشعار آخر - ووفق المصادر نفسها - ما روج له من اتهامات لجهات عربية وإقليمية بأنها تقف وراء التفجيرين الإرهابيين لأغراض تخدم المخطط الأميركي - الإسرائيلي المرسوم للمنطقة. - لم يظهر من خلال هذه التحقيقات، أقله تلك التي أنجزت حتى الآن، أي علاقة للمجموعات التكفيرية والإرهابية بتفجير المسجدين. - أن توقيف حوري الذي تردد أنه قدم نفسه على أنه مخبر لشعبة المعلومات فتح الباب أمام إجراء دراسة مستفيضة لمعرفة انتمائه السياسي، تأكد من خلالها أنه يسبح في الفضاء السوري المؤيد للنظام الحالي، وتبين من خلالها أيضاً أنه أوقع نفسه في مجموعة من التناقضات في «المعلومات» التي أدلى بها قبل حصول جريمة تفجيري المسجدين، وهو ما كان الدافع الأول لتوقيفه بعد ساعات قليلة على تفجير السيارتين المفخختين. وعلمت «الحياة» من المصادر الرسمية عينها، وكانت اطلعت على سير التحقيقات الأولية، أن حوري أفرغ قبل توقيفه كل ما في جعبته من «معلومات» تحدثت عن وجود مخطط لاستهداف المسجدين، وضمنها اسما الشيخين الغريب ومنقارة. سترة مجهزة للتسجيل وكشفت المصادر أنه طلب من حوري أن يحصل على تسجيل صوتي ومصوَّر لتوقعاته حول وجود مخطط للتفجير في طرابلس، وقالت إنه زُوِّد بسترة مجهزة لتسجيل كل ما سيقوله له الشيخ الغريب، لكنه أخلَّ بتعهده في أكثر من مرة، إلى أن ابلغ المعنيين بأنه تمكن من تسجيل ما دار في اجتماعه مع الغريب، ليتبين لاحقاً أنه لم يفعل ما وعد به. وأكدت المصادر أن حوري «تبرع» بالإدلاء بما لديه من معلومات عن التفجيرين، وأن المعنيين في شعبة المعلومات سجلوا كل ما أدلى به من تفاصيل، وبعضها يناقض الآخر، لكنهم اضطروا إلى توقيفه بعد عودتهم إلى النيابة العامة ودراستهم أقواله والتدقيق فيها وتحديد هويته السياسية. وقالت إن توقيف الغريب تم في اليوم نفسه من وقوع التفجيرين، وإنه بقي صامداً حتى ليل اليوم التالي من وقوعهما، ليعود ويعترف بأنه طُلب منه الاشتراك فيهما، لكنه رفض التنفيذ على رغم إلحاح أحد الضباط السوريين، الذي تبين لاحقاً أنه المدعو النقيب محمد علي. وإذ اعترف الغريب ببعض التفاصيل، فإنه في المقابل قدم نفسه على أنه يتنقل بين لبنان وسورية، وأن دوره يقتصر على الإفادة من علاقاته العامة لتدبير أمور اللبنانيين والتدخل أحياناً لدى الجهات الأمنية السورية للإفراج عن موقوفين لبنانيين في سجونها. ونفى الغريب قيامه بأي دور أمني وعسكري في تنقلاته بين لبنان وسورية، مع أن مراجعة حركة عبوره بين البلدين أظهرت أنه دخل إلى الأراضي السورية عشرات المرات منذ عام 2012 حتى اليوم، وهذا ما تبين من الأختام الموجودة في جواز سفره. لكن الغريب اعترف في الوقت ذاته بأنه تعرف إلى الضابط السوري المعروف باسم محمد علي من خلال ملاحقته قضية الموقوفين اللبنانيين في سورية، وقال -كما تؤكد المصادر- إن الأخير طلب منه الاشتراك في تفجير المسجدين بغية استهداف عدد من الشخصيات السياسية والروحية، وإنه أحضر لهذه الغاية خريطة لطرابلس (غوغل) تظهر المكانين اللذين يقع فيهما مسجدا «التقوى» و «السلام» وترتادهما للصلاة شخصيات معادية للنظام السوري وتقوم بالتحريض عليه. وتبين أيضاً، وفق المصادر، أن الضابط السوري قدم لغريب إغراءات مالية وسياسية وعرض عليه مجموعة من الخيارات لتجهيز السيارتين بالمتفجرات، من بينها إمكان تأمينهما من سورية وإعدادهما للتفجير بواسطة خبير سوري بالمتفجرات أو تأمين المتفجرات إلى طربلس ليصار الى تجهيز السيارتين تحت إشراف خبير، ويمكن شراء هاتين السيارتين بواسطة أشخاص يحملون هويات مزورة يصعب على التحقيق كشف مصدرها. كما تبين أن حوري كان تحدث عن تفجير السيارتين بواسطة الأقمار الصناعية، إضافة إلى أن الغريب لم يتعهد بتفجيرهما، وأنه راجع لهذه الغاية الشيخ منقارة بسبب علاقته الوثيقة به، وأن الأخير ارتبط مع حوري بعمل «صحافي» مشترك، إذ أمن له المبلغ المالي المطلوب لشراء سيارة مجهزة تقوم ببث الأخبار والنشاطات السياسية فوراً إلى محطات التلفزة بواسطة الأقمار الصناعية. مراجعة أحد كبار الضباط السوريين إلا أن منقارة طلب من الغريب عدم الإقدام على أي عمل «أمني»، وأن عليه أن يقوم بمراجعة أحد كبار الضباط السوريين لإطلاعه على ما طلبه منه في هذا الخصوص الضابطُ السوري. وحاول الغريب، كما تقول المصادر، تأمين لقاء مع الضابط السوري الكبير، لكنه لم يفلح، على رغم انه تردد مرات عدة إلى مكتبه في دمشق، لكن لم يُعرف ما إذا كان بقي يتردد للقاء الضابط نفسه. إلا أن الجديد في التحقيقات التي يفترض استكمالها، يتعلق بأن السيارة التي استخدمت لتفجير مسجد «السلام» في منطقة الميناء هي من نوع «فورد» رباعية الدفع زيتية اللون وكان اشتراها أحد الأشخاص على أن يسدد ثمنها بالتقسيط وبكفالة من أحد المصارف اللبنانية. واضطر المصرف إلى الادعاء على صاحبها بسبب عدم تسديد السندات المستحقة عليه، وأن الدعوى مسجلة في المحاكم اللبنانية المختصة، لكن سرعان ما انتقلت ملكية السيارة من شخص إلى آخر وبطرق ملتوية ومخالفة للقانون، الى ان تردد أخيراً أن شخصاً سورياً امتلكها من لبناني مقيم في منطقة البقاع وبظروف غامضة يجري حالياً التدقيق فيها لكشف هوية هذا الشخص، وأشيع أخيراً أن التحقيقات حققت في هذا الخصوص تقدماً ملحوظاً. كما أن التحقيقات جارية على قدم وساق لكشف هوية صاحب السيارة التي استخدمت لتفجير مسجد «التقوى» في الزاهرية، وهي من نوع «إنفوي»، وبالتالي لمعرفة كيفية وصولها إلى الجهة التي نفذت عملية تفجير المسجد. إضافة إلى أن توقيف منقارة تم على خلفية أقوال الغريب وحوري، لورود اسمه خلال أقوالهما عن التحضيرات لتفجير المسجدين. وعلمت «الحياة» أن القاضي صقر التقى أخيراً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي أكد له أنه لن يتدخل في شؤون القضاء، وأن التحقيقات يجب أن تأخذ طريقها إلى النهاية، لأن ما أصاب طرابلس جريمة موصوفة لا يمكن السكوت عنها، وأن أمنها وسلامتها فوق كل اعتبار، وأن من ارتكبها أراد ضرب العيش المشترك الذي تنعم به عاصمة الشمال وجرَّها الى فتنة مذهبية «وبالتالي تجب محاكمة كل من تثبت علاقته بهذه الجريمة وإنزال أشد العقوبات فيه». كما علمت «الحياة» أن منقارة حضر إلى فرع التحقيقات في شعبة المعلومات بملء إرادته، بعدما كان نُصح من قيادات نافذة في «قوى 8 آذار» بالحضور وعدم التلكؤ «لأن هناك ضرورة لتبيان الحقيقة»، مع أن قيادات أخرى كانت تتوقع عدم توقيفه، والادعاء عليه من القاضي صقر وتركه رهن التحقيق ومنعه من مغادرة لبنان.