احتفلت عشرات الآلاف من الإيرانيين بانتخاب المعتدل حسن روحاني رئيساً للجمهورية، مرددين شعارات مؤيدة للتيار الإصلاحي، فيما أعلن «الحرس الثوري» استعداده للتعاون مع حكومته، في إطار «الواجبات والمسؤوليات القانونية المسندة إليها». ورحّب قادة عرب وعالميون بخلافة روحاني الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، معربين عن أمل في أن يؤدي انتخابه إلى تخفيف حدة التوتر مع طهران حول مسائل أساسية، بينها الملف النووي الإيراني وحرب سورية. لكن إسرائيل شككت في قدرته على تغيير مسار النظام، وحضت الغرب على تشديد العقوبات على إيران. ولم تتدخل أجهزة الأمن في الاحتفالات التي عمّت البلاد، وشهدت رقص شباب وشابات في الشوارع، كما هتف خلالها بعضهم «وداعاً أحمدي»، في إشارة إلى انتهاء عهد نجاد. واستذكرت حشودٌ انتخابات 2009، حين سأل محتجون إيرانيون «أين صوتي؟»، خلال الاضطرابات التي تلت إعادة انتخاب نجاد وأدت إلى إخضاع المرشحَين الإصلاحيين الخاسرين مير حسين موسوي ومهدي كروبي لإقامة جبرية منذ العام 2011. وهتف محتفلون أمس «موسوي، موسوي، استعدنا صوتك»، و «موسوي، موسوي، هنيئاً بالفوز»! كما تذكّر بعضهم ندا آغا سلطان التي قُتلت خلال احتجاجات 2009، وتحوّلت رمزاً للحركة الخضراء آنذاك، إذ هتفوا: «إنه ربيع الحرية، وللأسف ندا ليست هنا». وللمرة الأولى منذ سنوات، هتف بعضهم في الشوارع مطالبين بإطلاق السجناء السياسيين، وموسوي وكروبي خصوصاً، وقال محمد رضا خاتمي، الرئيس السابق لحزب «جبهة المشاركة الإسلامية» الإصلاحي، شقيق الرئيس محمد خاتمي: «أول طلب لنا سيكون إطلاق موسوي وزوجته وكروبي وجميع السجناء السياسيين الذين نعتقد براءتهم». لكن وكالة «فرانس برس» نقلت عن مسؤول إيراني «معتدل»، أن طلب الإصلاحيين من روحاني الإفراج عن موسوي وكروبي «سيضع الرئيس المنتخب في موقف حساس، وسيُحدث له مشكلات داخل الحكم». وقالت نيغين، وهي مصورة عمرها 29 سنة: «انفجرت طهران سعادة. لم أرَ في حياتي هذه السعادة لدى كثيرين». أما مينا، فقالت باكية: «لم أشعر منذ اربع سنوات بمثل هذه السعادة، أشعر بأننا نجحنا أخيراً في تحقيق جزء مما ناضلنا من أجله منذ الانتخابات الماضية. احترم (النظام) تصويتنا أخيراً، وهذا انتصار للإصلاحات ولنا جميعاً، كوننا إصلاحيين». ورحّبت صحف إصلاحية بفوز روحاني، إذ كتبت «أرمان» «إشراق شمس الاعتدال»، فيما اعتبرت «شرق» أن انتخابه يعني «عودة الأمل وانتصار الإصلاحيين والمعتدلين». وأقرّت صحيفة «جمهوري إسلامي» المحافظة بأن روحاني «يوجّه رسالة تفيد بأن الإيرانيين يكرهون الفكر المتطرف ويريدون أن يقود الاعتدال البلاد»، مستدركة أن «الاعتدال لا يعني إبرام تسويات مع قوى الهيمنة ونسيان حقوق الشعب الإيراني». روحاني وفي أول تعليق بعد فوزه، قال روحاني: «لم أكن يوماً متطرفاً، بل أدعم الاعتدال». وأضاف: «هذا انتصار الحكمة والاعتدال والالتزام على التطرف». وأعرب عن «امتنانه للمرشد» علي خامنئي، معتبراً أنه «ابنه الأصغر»، كما أشاد ب «دور هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي»، الرئيسين السابقين اللذين ساندا ترشيحه. وشدد على أنه «سيبذل ما في وسعه لتحقيق الوعود التي قطعها»، معتبراً أن «الحضور الملحمي للشعب يبشّر باستقرار وأمل في القطاع الاقتصادي». روحاني الذي يعقد اليوم أول مؤتمر صحافي بعد انتخابه، وجّه رسالة إلى الغرب في الملف النووي، إذ حضّ «من يتغنّون بالديموقراطية والتفاهم والحوار الحر»، على أن «يتحدثوا باحترام إلى شعب إيران ويعترفوا بحقوقه ليتلقّوا رداً مناسباً». أما خامنئي، فأكد أن «الرئيس المنتخب هو رئيس للجميع»، معتبراً أن «الشعب هو الفائز الحقيقي في الانتخابات»، ودعا الجميع إلى «مساعدة الرئيس الجديد وحكومته»، وأن «يحلّ التعاون مكان التنافس». وأصدر المرشحون الخمسة الذين نافسوا روحاني في السباق الانتخابي، بيانات تهنئة، متمنين له التوفيق في «مهمته الوطنية»، فيما أعرب نجاد عن أمله في أن تتوافر للرئيس المنتخب «فرصة الخدمة ومحاولة تطبيق العدالة والإعمار في البلاد». أما «الحرس الثوري»، فشكر «الشعب، الذي أثبت ولاءه ووفاءه للنظام»، كما هنّأ روحاني معلناً استعداده ل»التعاون مع حكومته، في إطار الواجبات والوظائف القانونية المسندة إليها». ردود فعل ووجّه قادة البحرين والكويت وقطر برقيات تهنئة إلى روحاني. وورد في برقية تهنئة وجّهها رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان إلى الرئيس المنتخب: «نتطلع إلى العمل معكم لما فيه خير المنطقة والشعبين الإماراتيوالإيراني. ونحرص على إقامة علاقات تقوم على التعاون مع ايران». وفي البحرين، نبّهت وزيرة الإعلام سميرة رجب، إلى أن روحاني «فردٌ في فريق، ومَن يأتي منه سيواصل السياسة ذاتها»، مضيفة: «لم تعد لدينا ثقة بالنظام الإيراني». لكن خليل إبراهيم المرزوق من حزب «الوفاق» المعارض أعرب عن أمله في تحسّن العلاقات بين البلدين. وأعلن ناطق باسم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أن بغداد مستعدة للتعامل مع طهران، «بصرف النظر عن هوية الرئيس وأياً يكن خيار الشعب الإيراني». أما مراد علي، الناطق باسم حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، فلفت إلى ضرورة انتظار سلوك روحاني، متسائلاً: «هل سيغيّر الإيرانيون سياساتهم، خصوصاً في ما يتعلق بالأزمة السورية؟ نقبل التعاون مع إيران، لكن لدينا مخاوفنا». وأبلغ رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي وفداً ضم مسؤولين اقتصاديين إيرانيين، «رغبة سورية في الانطلاق بالعلاقات مع إيران إلى فضاءات أوسع في ظل القيادة الإيرانية الجديدة». وشدد على «عمق العلاقات الاستراتيجية الثابتة والراسخة بين سورية وإيران»، معرباً عن «تقديره للقيادة والشعب في إيران، لوقوفهما إلى جانب سورية خلال أزمتها». في المقابل، دعا الائتلاف الوطني السوري المعارض روحاني إلى «تدارك الأخطاء التي وقعت فيها القيادة الإيرانية، وتأكيد الأهمية القصوى لإصلاح الموقف الإيراني» من الحرب في سورية. كما حضّ طهران على أن «تستوعب قبل فوات الأوان، أن إرادة الشعب السوري لا تُقهر، وأنها لن تنكسر أو تتراجع أمام أي اعتداء خارجي، وأن مطالبه في إسقاط نظام الاستبداد منتصرة لا محالة». وهنّأ الأمين العام ل «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله الرئيس الإيراني المنتخب على «الثقة العظيمة من الشعب العظيم»، معتبراً انه بات «محطّ الآمال». في المقابل، حض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو المجتمع الدولي على «ألا يستسلم للأماني الطيبة أو الإغراء، وألا يخفف ضغطه على إيران لتوقف برنامجها النووي»، مضيفاً: «سيتم الحكم على إيران بحسب أفعالها. وإذا أصرت على تطوير برنامجها النووي، يجب أن يكون الردّ واضحاً، وقفه بكل الوسائل الممكنة». وأشار وزير الاستخبارات الإسرائيلي يوفال شتاينتز، إلى أن «روحاني لا يعتبر نفسه إصلاحياً، بل محافظاً»، فيما رأى وزير الدفاع المدني الإسرائيلي جيلاد إردان، أن «انتخاب روحاني قد يقود المجتمع الدولي إلى التخلي عن ضغطه في الملف النووي». وذكّر ناطق باسم الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن الانتخابات الإيرانية «شابها انعدام للشفافية ورقابة على وسائل الإعلام والإنترنت، في إطار عام من الترهيب قيّد حرية التعبير والتجمع»، لكنه أشاد ب «شجاعة الإيرانيين لإسماع صوتهم». وأعلن استعداد واشنطن ل «التعاون مباشرة» مع طهران لتسوية ملفها النووي، وزاد: «نأمل في أن تحترم الحكومة الإيرانية الجديدة إرادة الإيرانيين، وتتخذ خيارات مسؤولة تصنع مستقبلاً أفضل لجميعهم». وأعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون «عزم» الاتحاد على العمل مع روحاني ل «التوصل سريعاً إلى تسوية ديبلوماسية للملف النووي»، فيما لفت وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى استعداد باريس ل «العمل» معه حول الملف النووي و «انخراط ايران في سورية». أما بريطانيا، فدعت الرئيس المنتخب إلى «وضع إيران على سكة جديدة من اجل المستقبل». وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ثقته في أن يساهم روحاني في «تعزيز العلاقات الروسية - الإيرانية».