«مجد لبنان أعطي ل» البطريرك المارونيّ، عبارة من فولكلوريّات الطوائف اللبنانيّة، كما أنّها تنتمي إلى الشقّ الفولكلوريّ في حياة الكيان اللبنانيّ واجتماعه. ولكلّ كيان شقّ فولكلوريّ خدم، إلى هذا الحدّ أو ذاك، في بناء أساطيره المؤسّسة. أمّا لبنان تحديداً، فلا يسع من يقرّ به ويقبل سرديّته التاريخيّة، إنكار الدور المركزيّ الذي لعبته البطريركيّة المارونيّة في ذلك. بيد أن هذا الدور، الذي تعاقب على أدائه بطاركة كثيرون، لم يحل دون الاعتراض عليه، بقسوة وأحياناً برعونة، من قبل سياسيّين موارنة. فالرئيس الراحل كميل شمعون، إبّان خلافه مع البطريرك بولس المعوشي أواخر الخمسينات، عمل على عزله في مقرّه ببكركي. وإبّان تمرّده، دفع العماد ميشال عون أنصاره للهجوم على البطريركيّة والالتحام الجسديّ المباشر بالبطريرك نصر الله صفير. وقبل أكثر من عامين، كان للنائب سليمان فرنجيّة تعليق على لقاء عدد من السيّدات بالبطريرك، أهان فيه السيّدات والبطريرك معاً، بلغة غير مألوفة في السياسة، وغير مقبولة في اللياقة. وهذا جميعاً لا يلغي أن موقّع هذه الأسطر يتوق إلى بلوغ يوم يستطيع فيه أيّ لبنانيّ، من أيّة طائفة، أن يقول أيّ شيء يريد قوله، لا بل أن يعترض أيّ لبنانيّ على رجل دين، أو رجل سياسة، من طائفة أخرى، أو أن يسخر منه في برنامج «بسمات وطن» أو غيره، من دون أن يتسبّب ذلك ب «حساسيّات» من النوع المعهود. ولماذا لا يجوز، من حيث المبدأ، أن يقال إن «مجد لبنان» لم يُعط لبطريرك الموارنة، أو، أبعد من هذا، أن «مجد لبنان» نفسه تعبير زجليّ خال من المعنى. لكنّ قولاً كهذا كي يكون مقبولاً ينبغي أن يصدر عن موقع علمانيّ، أو أقلّه لا طائفيّ، أولويّة صاحبه ترجع إلى الوطن لا إلى الطائفة. لكنْ حين يصدر هذا الكلام عن رجل دين آخر هو السيّد محمّد حسين فضل الله يصير للكلام معنى آخر. وحين يصرّ فضل الله على أن «مجد لبنان» أعطي للمقاومين، تحيلنا العبارة إلى خبر آخر نستطيع، على ضوئه، أن نفهم المقصود بالمقاومة والمقاومين. ذاك أن السيّد حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله» اللبنانيّ وزعيم المقاومين، أرسل برقيّة يعزّي فيها بالزعيم السياسيّ والدينيّ العراقيّ السيّد عبد العزيز الحكيم، وردت فيها صفات «الجهاد والنضال» والعمل «من أجل إنقاذ الشعب العراقيّ المظلوم» منسوبةً إلى الحكيم. وهي صفات قد تصحّ تماماً في الراحل العراقيّ إلاّ أن صدورها عن نصر الله (وعن خامنئي أيضاً) يبقى مصدر استغراب. ذاك أن زعيم «حزب الله» يقاوم الأميركيّين الذين لم يكن يقاومهم الحكيم، إن لم نقل إنّه تعاون معهم لما هو في مصلحة العراق. وقصارى القول إن المسألة ليست مسألة مقاومة، بل يقف «السيّد هايد» الطائفيّ وراء «الدكتور جاكل» المقاوم. وتحديداً في هذه الحال، يغدو مستغرَباً أن يُنقَد رجل دين من رجل دين يرفع في وجه منقوده مقاومة ينفذّها حزب دينيّ. و «الدين»، في هذا السياق، إنّما ينضح بهويّة طائفيّة حادّة. أبعد من هذا، نخال أن ما يمنع تطوّر النقد في لبنان، لصفير وفضل الله وسواهما، أن أقوى أشكال الوعي غير النقديّ، وأشدّ صيغ الوعي الامتثاليّ، محميّ بالبندقيّة كما بالمقاومة.