ما بين عدسة الكاميرا وأصابع 30 فناناً، نوافذ ضوء فتحت على لحظات شديدة الطرافة والخصوصية، ومداخلات بصرية اختيرت بعناية. 365 صورة التقطها كل فنان طوال سنة (بمعدل صورة يومياً) تماهت فيها حركة كائنات مدهشة ما بين السماء والأرض، وتداخلت فيها تكوينات فنية لكتل غير منطقية أو منطقية، وتداعت فيها لحظات حياتية وثورية فريدة، اختير أفضلها ووثقت في المعرض الفني الكبير الذي نظمه نادي «عدسة» للتصوير الفوتوغرافي بالتعاون مع صندوق التنمية الثقافية المصري في الإسكندرية. يأتي المعرض الذي أقيم تحت عنوان «عام كامل من الإبداع – 365 صورة»، اختتاماً لأعمال ورشة التصوير الفوتوغرافي التي استمرت سنة منذ مطلع عام 2012 وشارك فيها أكثر من 135 مصوراً فوتوغرافياً من مصر واليمن والقطر والسعودية والكويت اشتركوا ب4539 عملاً فوتوغرافياً، أتت بعد 52 اجتماعاً أسبوعياً و48 جولة تصوير ميدانية. إعادة ترتيب الواقع أكثر من مئة صورة فوتوغرافية، قدم المشاركون من خلالها لقطات فنية غاية في التميز على رغم أن غالبيتهم من الهواة، وبيّنت قدرات على تجريح الواقع وترتيبه في شكل جمالي وفق معتقدات كل منهم وآرائه وقناعاته. وأظهرت اللقطات مقدرة في التحكم بمكونات المشهد عبر الجوانب الميكانيكية والتقنية في الصورة، خصوصاً لدى نقل الواقع وعكسه داخل الصورة وفق الإمكانات الجمالية المتاحة، ما يجعلنا نلاحظ آلية التطور الفني لدى كل فنان التي تسلّم الأشكالَ من عين إلى عين، والوسائطَ من يد إلى يد، وفي الوقت ذاته تشير إلى روح البحث العلمية في فن التصوير طوال 365 يوماً هي عمر التجربة. اللافت في كثير من الصور إقبال عدد كبير من الفنانين على التركيز على المساحات التي يستخدمها البشر في الحياة والتأثيرات المتبادلة بين الكائنات المختلفة والطاقة الكامنة التي تحيط بكل منها، والقدرة على متابعة تفاصيل حسّية في مشاهد بالغة التعقيد تجمع التشخيص مع التجريد. ويتداخل فيها الحس التراجيدي مع الساخر، والواقعي مع الخيالي وتسيطر الإنسانيات على غالبية اللقطات ومنها لقطة جمعت بين رجل فقير بملابسه المهترئة وقيمه النبيلة وقطته الهزيلة الجائعة التي تشاركه الطعام في لفتة إنسانية تعكس ما وصلت إليه البلاد من أحوال اقتصادية سيئة. وثمة لوحة أخرى بعنوان «أطفال الشوارع» وفيها طفل مشرد، على رغم طفولته وضآلة جسده الهش، فإنه يحمل أخته أو صديقته الصغيرة المريضة في رجولة مبكرة غابت عنها التفاصيل البهيجة المعتادة لصخب الأطفال والذين أخذ القدر منهم براءتهم في قسوة متعمدة. يقول المشرف على المعرض علاء الباشا: «يقدم المعرض سنة كاملة من حياة 30 فناناً وهي فكرة عالمية طبقت في دول كثيرة، حيث تلتقط صور يومية تعكس حياة كاملة بكل حواشيها وتفاصيلها ودقائقها، والفكرة ليست الحصول على 365 صورة أو سنة كاملة من حياة الفنان فوتوغرافياً وإنما تعكس جوانب كثيرة من المجتمع سواء من ناحية تسجيلها او تأريخها». ويقول المصور رامي يسري: «بعد الإعلان الدستوري المكمل، الذي أصدره الرئيس مرسي وفجر قنبلة تظاهرات حاشدة، وجدتني ألتقط صورة أظهرت العلاقة بين المباني العاصفة وحال الغضب عند الناس والتي انعكست على المباني والتي باتت غاضبة أيضاً يتعالى صوتها مع أصوات الثوار». وترى إيناس في المشروع تجربة ثرية تحسن من مستوى أداء الفنان، وتعلم كيفية اختيار الموضوع وتوجيه العدسة بحرفية لاختيار زاوية رؤية مناسبة ومدروسة. ونادي «عدسة» هو الوكيل الإداري للاتحاد العالمي للتصوير الفوتوغرافي، وهو نادٍ لكل فناني التصوير الفوتوغرافي والفنون البصرية، ويهدف إلى تقديم كل الخدمات والإمكانات التي تساعد كل من يهتم بفن التصوير حرصاً على حركة الإبداع والأصالة في فن التصوير.