هناك نوع من الواقعية السحرية في ممارسة التصوير الفوتوغرافي، يظهر ذلك في محاولة إعادة تمثيل الواقع المرئي بشكل متخيل، بعيداًَ عن الاستنساخ الذي يفقد الأشياء رونقها وحيويتها، وعندما يأتي الحديث عن البورتريه الذي يهتم أكثر بالتركيز على ملامح الشخصية، فإن الغاية منه باعتباره حوار الضوء مع الذاكرة، وليس مع الشخص الظاهر للعيان، التقاط الجوهر والإصغاء لحديث الذات، والاقتراب من اللا مرئي في تمظهراته النادرة. الفوتوغرافي يستطيع تحقيق ذلك، عبر تصويب عدسة الكاميرا جيداً، وتحديد سرعة الغالق المناسبة لانطلاق الضوء، الذي يسافر لاستنطاق كل تلك الأسرار المخبأة وراء الوجوه الصامتة، ويمنحها لحظات للبوح عن قصيدة حب اخيرة قبل ابتداء الرحيل، وعما وجده العابر في يومياته من مسرات الحياة وعذاباتها، كل ذلك تنطق به العين للمتلقي وتفصح عن ذكريات وحكايات. الخلفية تكسو البورتريه بطاقة المكان التعبيرية، كأن الصورة تنقل الكائن إلى بعد آخر وحياة جديدة، وتصبح غاية البورتريه القراءة العميقة لهذه الذاكرة الموازية في كل الأشياء، التي لا تزال حاضرة بصورتها وغائبة بوجودها الفيزيائي. كل ما سبق نجده واضحاً في بورتريه «حجازي» للفوتوغرافي خالد السباعي، الذي كان في نزهة في جدة القديمة أثناء نهار رمضاني، وتوقف أمام بيت نصيف الأثري، عندما شاهد العم زين العابدين معتمر الغبانة أو العمامة الحجازية يتحدث بحنين عن الماضي وكل هذا البهاء في محياه، خالد ذهب إليه واستأذنه في التقاط صورة له، وافق العم زين من دون تردد، وكانت النتيجة هذا البورتريه الجميل. خالد السباعي عضو في بيت الفوتوغرافيين في جدة، وكذلك عضو الاتحاد الدولي لفن التصوير الفوتوغرافي (F.I.A.P)، تحدث عن مراحل تكوين البورتريه قائلاً: «قبل التصوير تأسرني الفكرة، فيمكن أن أقضي وقتاً طويلاً في التأمل للوصول لفكرة العمل، ومن ثم يبدأ التجهيز لموقع التصوير باختيار مواقع الإضاءة والخلفية المطلوبة وتجهيز المعدات، من كاميرات وعدسات وعواكس، ثم أقضي وقتاً في التحدث إلى الموديل ومناقشة فكرة الصورة المطلوبة وتفاصيل تعابير الوجه ووضعية الوقوف أو الجلوس. فاختيار الموديل المبدع هو شرط أساسي لنجاح العمل، حتى ولو كان التصوير خارج الاستديو، فإن اختياره هو شرط أساسي لنجاح أي صورة بورتريه رائعة. وأثناء التصوير لن يخلو الأمر من تصوير لقطات تجريبية عدة للتأكد من النتائج الأولية، وتعديل مواقع الإضاءة للوصول الى النتيجة المطلوبة، ومحاولة التواصل مع الموديل لصنع رابط ذهني بينك وبينه، والعمل معاً لتحقيق المطلوب. وبعد التصوير يأتي دور اختيار اللقطات الأفضل وتطبيق المعالجة الرقمية بحسب ما يتطلبه العمل للوصول الى الفكرة النهائية التي تنال رضا المصور، وفي النهاية لا أنسى شكر فريق العمل على مجهودهم فلولاهم لن يصل المصور لما يطمح إليه». وذكر السباعي أن معالجة الصور امتداد لما كان يسمى بالغرفة السوداء Dark Room، والتي كانت تستخدم في التصوير الفلمي، لتصحيح المشكلات الفنية، كما أن هناك أسباباً أخرى لحاجة المصور للمعالجة وهو طبيعة التصوير الرقمي الذي يعتمد على التقنية الالكترونية بشكل كامل، وهو ما سيترتب عليه حاجة المصور لتصحيح التباين ومستوى الألوان على الأقل، كما أن هناك فنانين أبدعوا في فن التعديل على الصور وهو فن قائم بحد ذاته. بالنسبة لي ما يهمني هي النتيجة النهائية وليس طريقة الوصول إليها. وحول الأخطاء الشائعة عند تصوير البورتريه يقول السباعي: «غالباً ما يقع المبتدئون في شباك التقليد ويلزمهم الوقت لاحتراف استخدام أساليب الإضاءة المختلفة، وأحياناً نرى نتائج مذهلة من مبتدئين ليس لهم باع طويل في التصوير والعكس صحيح، فقد نجد أن مصور طبيعة ممتاز لا يبدع في تصوير البورتريه، وفي النهاية الرغبة والثقافة البصرية إضافة إلى الموهبة، كلها عوامل لنجاح الفوتوغرافي في تصوير البورتريه».