تجد غالبية الشباب في الأردن نفسها عاجزة عن الترشح لعضوية مجلس النواب والدخول في سباق تنافسي مع رجال أعمال وضعوا ملايين الدنانير في خدمة حملتهم الانتخابية للفوز بمقعد نيابي، وهو ما يدفع الكثير من هؤلاء الشباب الذين يرون في أنفسهم القدرة والكفاءة على شغل هذه المهمة التشريعية الشاقة لإحداث التغيير في مجتمع يشكل الشباب أكثر من ثلثيه، إلى الإحجام عن الترشح واللجوء إلى الشارع للمطالبة بتحقيق مطالبهم، والتي غالباً ما تتركز على مشكلتي البطالة والفقر. فالاعتصامات والإضرابات في الأردن يقودها في العادة شباب، وتكون شعاراتها مطلبية خدماتية مع المطالبة بحقوق عمالية أو وظائف للعاطلين من العمل، خصوصاً في جنوب المملكة كالطفيلة ومعان. وسرعان ما تتحول تلك الاعتصامات إلى مسيرات ترفع شعارات سياسية تخرق السقوف. غير أن بعض الشباب تحدى هذه المشكلة واستطاع اختراق الحاجز بما هو متوافر من مواد مستهلكة بعد إعادة تدويرها واستخدامها في حملاته الانتخابية التي لاقت رواجاً بين الناخبين ووسائل الإعلام لطرافتها، فحققت صدى وفائدة لصاحبها أكثر من الحملات الدعائية التي صرفت عليها الملايين. الشاب عمر الحباشنة الذي يصف نفسه بمرشح «الطبقة الكادحة»، قرر أن يخوض الانتخابات النيابية عن الدائرة الأولى في محافظة الكرك (200 كلم جنوب عمان) بالاعتماد على إمكاناته الضعيفة. الحباشنة البالغ من العمر 31 سنة ولا يزال طالباً على مقاعد الدراسة في السنة الثالثة في كلية الزراعة في جامعة مؤتة الأردنية في الكرك، يستخدم أكياس الطحين الفارغة لكتابة دعايته الانتخابية وشعاراته بخط يده. ويخاطب الحباشنة الناس من خلال الملصقات التي كتبها على ورق الكرتون المستهلك الملقى أمام المحال التجارية في الشوارع بشعارات تحمل هموم الناس، وتطالب بإنصاف الفقراء والمعدمين، والدعوة إلى توفير الوظائف لأبناء الفقراء واحترام المواطنين، وخصوصاً من قبل المسؤولين ورجال الأعمال. ترشح الحباشنة للانتخابات المزمع إجراؤها بعد غد الأربعاء على رغم أن فرص نجاحه غامضة بسبب عوامل عديدة تحكم المشهد الانتخابي، إلا أنه يقول إن الشباب يجب أن لا ييأسوا، وعليهم الإمساك بزمام المبادرة من اجل تغيير واقعهم. ويؤكد الحباشنة أنه لم يترشح إلا بعد حوارات عديدة مع طلاب الجامعة ليكون «مرشحاً لهم»، لافتاً إلى أن ترشحه جاء ليخدم هذه الفئات المحرومة. ويضيف أن سيطرة القوى التقليدية وأصحاب المال على مفاصل صنع القرار، وخصوصاً مجلس النواب، جعلته يفكر كثيراً في تغيير هذه الصورة بطريقة المشاركة في الانتخابات. ويتحكم بنوعية النواب الفائزين قانون انتخاب أقره البرلمان السابق الذي واجه انتقادات كبيرة حول أدائه. ويصف ناشطون القانون بأنه فصّل من أجل فوز مقربين من النظام السياسي، من خلال تكريس مبدأ مرشح العشيرة في المناطق الريفية والبدوية، ورجل الأعمال البليونير في المناطق الحضرية المختلطة. ويقول الحباشنة: «لأنني جزء من الحراك الشعبي الأردني الذي يطالب بمحاربة الفساد والإصلاح السياسي والاقتصادي، أردت أن أقدم أفكاري القريبة من هموم الناس، من دون الاعتماد على أي شيء آخر». ويستعيض الحباشنة عن الخيام الفارهة ببيته مقراً انتخابياً له، فيما يركز على العلاقات العامة الوجاهية مع الناس مستخدماً قدميه للوصول إليهم. ولا يخفي الحباشنة أن العديد من المواطنين وأصحاب المحال التجارية في الكرك أعجبتهم فكرته وقرروا تشجيعه بالتبرع له ببعض المستلزمات كإحدى المكتبات التي تبرعت له بطباعة وتصوير بيانه الانتخابي، ومحل لبيع الحلويات الذي تبرع له بالحلوى ومحل مناسبات الذي تبرع له بالمقاعد لجلوس المؤازرين له في بيته الذي أعلن أنه مقره الانتخابي. ويؤكد الشاب أن كتابته الشعارات على أكياس الطحين لها دلالة أنه سيرفع شعاراً مفاده «لقمة الخبز للمواطنين هي الحرية والكرامة»، مشدداً على وجود العديد من الأصدقاء الذي تبرعوا بمساعدته في حملته الانتخابية، فهو يعترف بأن ليس لدية القدرة على القيام بكل متطلبات الحملة، خصوصاً أنه يعيش في منزل العائلة ويدرس على حسابها. وناشد الحباشنة المواطنين في محافظات المملكة عدم الاقتراع لمرشحي المال السياسي وعدم السماح لهم بالوصول إلى مجلس النواب، مشيراً إلى أن الدعم الذي يلقاه من أسرته وأقاربه في حملته الانتخابية، يعزز من معنوياته. ويتطلع «مرشح الطلاب والشعب» إلى انتخابات تسودها النظافة والاحترام بين المرشحين وعدم استخدام وسائل المنافسة غير الشريفة.