مع اقتراب شهر رمضان بدأت تتضح الخريطة النهائية للدراما التلفزيونية العربية التي ستحظى بفرصة البث على الشاشات في شهر تحول إلى مجال للمنافسة الدرامية، بل أصبح بمثابة امتحان لتلك الدراما التي ستُكرم فيها أو تُهان. وحين نتحدث عن الخريطة الدرامية العربية، فإن حدودها الرئيسة معروفة سلفاً، فهي تبدأ من مصر وتمر بسورية لتنتهي في الخليج، فضلا عن خطوط ثانوية بسيطة تلامس بعض دول المغرب العربي ولبنان ودول عربية أخرى. أمام هذه الخريطة الدرامية تبرز بجلاء الدراما السورية التي حظيت، في السنوات الأخيرة بالإعجاب، وراحت تنافس شقيقتها المصرية. ولئن تراجع سقف الإنتاج، وخصوصاً هذه السنة، غير أن هذه الحصيلة القليلة التي تبلغ قرابة 25 مسلسلا ستكون حاضرة على مختلف الفضائيات، وثمة مسلسلات من المرجح أن تثير جدالاً واسعاً. ولعل المسلسلات الأوفر حظاً في إثارة الانقسام تلك التي تأخذ طابعاً سياسياً. ويأتي في اعلى القائمة مسلسل «هدوء نسبي» للمخرج التونسي شوقي الماجري. ومرد هذا التصور يعود إلى أن العمل تنتجه أربع جهات إنتاجية هي شركة ايبلا السورية، وقطاع الإنتاج في التلفزيون المصري و «روتانا خليجية» و «إي آر تي»، ويشارك في تجسيد شخصيات المسلسل عدد من النجوم العرب بينهم عابد فهد ونيللي كريم وبيير داغر ونادين سلامة... إلى جانب بعض الممثلين الأجانب. والأهم، من هذا وذاك، أن المسلسل يتناول فترة عصيبة في تاريخ المنطقة تمتد من الأيام التي سبقت سقوط بغداد مروراً بالحرب الأميركية في العراق وصولاً إلى الأزمات التي تلت هذه الحرب. يرصد كاتب العمل السوري خالد خليفة هذه المحطات بعيون الصحافيين الذين غطوا تلك الحرب «عبر لوحات درامية إنسانية تدين الحروب والديكتاتوريات معاً»، كما يقول خليفة في حديث الى «الحياة»، ويضيف ان «المسلسل يتحدث بصورة رئيسة عن المراسلين الذين دفعوا أثماناً باهظة في سبيل الوصول إلى المعلومة»، ويصوغ، كذلك، حكاية حب شفافة تنبت بين ركام الحرب، وخلف مشاهد الدمار». ونفى خليفة وجود شخصيات سياسية معروفة في العمل. لكن المسلسل، الذي سيعرض على عدد من القنوات، بينها «المصرية» و«روتانا خليجية» و «أي آر تي»، يرسم التحولات الرئيسة التي شهدها العراق مثل ما حصل للمتحف الوطني العراقي، وما جرى في سجن أبو غريب. ويتوقع خليفة أن يحقق هذا المسلسل حضوراً مميزا سواء لجهة مضامينه، أو بسبب الفريق الفني والتقني الذي عمل فيه، إضافة الى التكلفة الإنتاجية الضخمة التي وصلت إلى نحو أربعة ملايين دولار، بينما وصل عدد شخصيات العمل إلى 273 شخصية، أما مواقع التصوير فبلغ نحو مئتي موقع. ويوضح خليفة ان «وقائع العمل بعيدة من التوثيق، بل تنبع من الخيال الروائي، والسياسة لا تهيمن على المشهد الدرامي بمقدار الاهتمام والتركيز على سرد تجارب إنسانية مؤثرة». المخرج المثنى صبح يختار العودة إلى نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات من القرن العشرين ليرصد جوانب من حياة السوريين بعد الاستقلال، ومحاولات السيطرة على ثروات المنطقة عبر مسلسل «الدوامة» الذي اقتبسه الراحل ممدوح عدوان عن رواية «الضغينة والهوى» للروائي فواز حداد، وبقي النص في أدراج شركة سورية الدولية للإنتاج الفني، إلى أن رأى النور في هذا الموسم. يقول صبح: العمل هو حكاية افتراضية تتناول فكرة الاستعمار الجديد المتمثل بصراع شركات النفط والمخابرات العالمية على سورية إبان الاستقلال وبداية تشكل الأحزاب السياسية في سورية، وتداعيات نكبة فلسطين. وهو ينفي سعيه إلى رسم مشهد تاريخي لتلك المرحلة وحسب، وإنما يقدم حكاية افتراضية مفعمة بالحب والنضال السياسي، يلتقط من خلالها تفاصيل الحياة الدمشقية وتركيبتها الاجتماعية والسياسية والثقافية التي أفرزت نتائجها واقعاً لا يزال قائماً حتى يومنا هذا. «الدوامة» من بطولة سلوم حداد، منى واصف، باسل خياط. وفي المنحى ذاته، يطل مسلسل «آخر أيام الحب» للمخرج وائل رمضان وتأليف هاني السعدي، ليتحدث عن مرحلة الوحدة بين سورية ومصر، على خلفية لوحات اجتماعية جذابة. أما مسلسل «سفر الحجارة» للمخرج يوسف رزق وتأليف هاني السعدي، فيتناول مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته في ظل الحصار والاحتلال. وليس بعيداً من هذه الأجواء، ومن هموم القضية الفلسطينية يقدم المخرج نجدة أنزور في هذا الموسم مسلسل «رجال الحسم»، الذي كتبه فايز بشير وأنتجته شركة الهاني في سورية بالتعاون مع قناة أبو ظبي التي ستعرضه خلال شهر رمضان. يتناول العمل، الذي بلغت كلفته الانتاجية نحو 2,5 مليون دولار، أجواء الفساد والجريمة التي تحيط بالعاملين في جهاز الموساد الإسرائيلي، ويسلط الضوء على الأبعاد النفسية الإجرامية التي تحملها هذه الشخصيات، وانعكاس ذلك على عدالة القضية. ولا يبتعد المخرج محمد الشيخ نجيب عن عالم الجاسوسية في مسلسله «تحت المداس»، ولكن هذه المرة في إطار اجتماعي من خلال شبكات التهريب والتجسس التي تمتد إلى الخادمات الأجنبيات في بيوت الأثرياء، كاشفاً الهوة بين مجتمع أرستقراطي فاحش الثراء وآخر بسيط يزداد فقراً.