في محافظة اللاذقية شمال غربي سورية عند تخوم جبل الأكراد، تعيش قرية كدين في سلام بمنأى على ما يبدو، عن النزاع الدامي الدائر في البلاد. يحصل ذلك على رغم أن قرية كدين محاطة بسكان منطقة جبل الأكراد العرب السنة المنحازين للمعارضة الثائرة على نظام الرئيس بشار الأسد المنتمي للطائفة العلوية. وفي يوم مشمس نهاية الصيف انهمك القرويون في كدين في جمع التين والتفاح من الحقول. ويركض الأطفال في جلبة من منزل إلى آخر تحت أنظار أمهاتهم اللواتي جلسن محتميات من الشمس في الشرفات. وكانت فتيات يتجولن ويتسلين بالهواتف النقالة. وفي شوارع القرية لا أثر لمعارضين أو مسلحين. ويؤكد أبو بديع أحد قادة المعارضين في قرية سلمى السنية وأكبر التجمعات السكنية في جبل الأكراد، «نمر أحياناً بالقرية (كدين) لكن ما من سبب يدعونا إلى التوقف بها». والفارق كبير بين القريتين اللتين لا يفصل بينهما إلا خمسة كلم. في كدين تمارس الأسر أنشطتها والمزارعون أعمالهم وفي سلمى تنهمر القذائف في الشوارع شبه المقفرة التي لا يتحرك فيها سوى مقاتلين على دراجات نارية. ويؤكد السكان السنة في النواحي أن العلاقات عادية بين سكان القريتين ولم تحدث مشاكل. ويتبادل تجار القريتين البضائع وهناك روابط واتصالات. وظهر سنة في القرية وهم يحيون بعض معارفهم عند عبورهم. لكن خلف الهدوء البادي في كدين هناك حرص على أن يكون الكل في مكانه في التعامل مع القرى المجاورة. وهناك حذر ملموس أججته الحرب الجارية الآخذة في التحول إلى مواجهة طائفية بين المعارضين المسلحين السنة والأقلية العلوية الحاكمة. ويتفحص رجال مسنون في القرية اتكأوا إلى جرار بعجلتين متسخين بالروث، وجه القادم الجديد قبل سؤاله «ماذا جئت تفعل هنا؟». والصحافيون غير مرحب بهم في كدين. وللصفو مع الجيران السنة ثمن التكتم وخصوصاً الحياد التام. واختارت معظم القرى العلوية في المنطقة عند المنحدرات المؤدية إلى مدينة اللاذقية الانحياز للنظام واستقبل أهاليها بترحاب الجيش خشية من تقدم المعارضين المسلحين. وقال رجل أربعيني: «نحن لسنا مع بشار ولا المعارضة. هذا ليس شأننا. نريد أمراً واحداً أن نعيش بسلام». ويضيف: «لا يوجد شبيحة هنا ولا معارضين، ليس هناك إلا أسر لا تبحث إلا عن الاطمئنان». وانتهى الحديث المتحفظ على رغم أن الرجل حرص على تقديم حبات تين لذيذ الطعم. ورأى معارضون مسلحون يرفضون اللبوس الطائفي للنزاع، أن قرية كدين نموذج لذلك. وقال طبيب: «العلويون يعيشون في سلام في الجبل وتقدم مقاتلونا في خمس من قراهم على الأقل من دون أن يلمسوا منهم شعرة». ويقول أبو بديع: «نحن لا نستهدف العلويين بل عملاء النظام الموجودين بين جميع طوائف البلاد»، مؤكداً أنه تلقى مساعدة من بعض القرى العلوية. وعبر الطبيب عن الأسف لكون «الكثير من العلويين يقعون في فخ الحرب الطائفية الذي ينصبه النظام».