ساد الهدوء الحذر أمس محيط السفارة الأميركية في قلب العاصمة المصرية، بعد ليلة دموية استمرت فيها الاشتباكات بين قوات الأمن ومتظاهرين كانوا يحتجون على فيلم مسيء للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، قبل أن تكثف قوات الشرطة من وجودها، وتبدأ مع ساعات الصباح الأولى في تنفيذ عملية «نوعية» طاردت خلالها المتظاهرين في الشوارع الجانبية قبل أن تقتحم ميدان التحرير، وتزيل خيام المعتصمين، فيما كانت قوات الأمن تطارد المتظاهرين وتفرض سطوتها على ميدان التحرير والشوارع الجانبية. وتعهد وزير الداخلية الذي تفقد أرجاء الميدان مترجلاً «بفرض سطوة الأمن على التحرير وإظهاره بالمظهر المشرف الذي يليق بالثورة المصرية». لكنه شدد على أن وجود الشرطة «لن يحول دون تظاهر النشطاء». وأعلنت مصادر أمنية أنه تم توقيف «220 شخصاً خلال عملية اقتحام التحرير»، إضافة إلى توقيف «142 خلال المواجهات التي استمرت حتى الفجر (السبت)». وأحيل الموقوفون على النيابة التي أمرت بسجنهم على ذمة التحقيقات التي تجرى معهم في شأن اتهامات تتعلق ب «التجمهر والترويع واستخدام العنف ومقاومة السلطات، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، وحيازة أدوات مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص، والتعدي على موظفين عموميين بالضرب الذي نتج عنه جروح وإصابات أثناء تأدية وظيفتهم». وقالت وزارة الداخلية إنها تواصلت مع معظم القوى والتيارات السياسية التي تعتبر ميدان التحرير رمزاً لها قبل قيامها بالتدخل لإخلاء منطقة الميدان والسفارة الأميركية بعدما فشلت المبادرات المتتالية لوقف الاعتداءات على السفارة. وجاء في بيان للوزارة أن الإجراءات التي اتخذتها جاءت «لمواجهة عناصر الشغب التي لا تمثل أياً من القوى أو التيارات أو الحركات السياسية، أو الروابط الرياضية باعتبارها خارجة على القانون لقيامها بالتعدي وإتلاف المنشآت العامة والديبلوماسية والتعدي على رجال الشرطة وتعريض أمن المجتمع وسلامته للخطر». وأشار البيان إلى أن الإجراءات أسفرت عن ضبط «220 من عناصر الشغب ومخالفي القانون» في إطار «تطهير الميدان منهم... باعتباره رمزاً للثورة ويجب أن نُحافظ عليه جميعاً وإظهاره بالمظهر المشرف الذي يليق بالثورة المصرية». وكانت المواجهات التي بدأت مساء الأربعاء الماضي، استمرت حتى فجر أمس بين الشرطة ومحتجين في محيط السفارة الأميركية في ضاحية غاردن سيتي (قلب العاصمة)، وشوهدت مجموعات من الصبية ترشق عناصر الشرطة بالحجارة وزجاجات المولوتوف، قبل أن ترد عليها برشقها أيضاً بالحجارة وقنابل الغاز، وبين الوقت والآخر تتحرك سيارات مصفحة لتطارد المتظاهرين في الشوارع، لكنها كانت تنسحب مجدداً إلى محيط السفارة الأميركية. ومع الساعات الصباح الأولى وصلت تعزيزات الشرطة حيث أغلقت كل الطرق المؤدية إلى السفارة الأميركية وحاصرت المتظاهرين عند بوابة ميدان التحرير وكوبري قصر النيل. بعدها تحركت القوات في ما يشبه «الكماشة» لتطارد المتظاهرين وتقتحم ميدان التحرير وتخليه من الخيام، ثم بدأت عمليات تنظيفه. وغادرت قوات الأمن لاحقاً الميدان الذي انتشر حوله رجال المرور، في أول ظهور لهم في هذا الشكل منذ الثورة. وقام وزير الداخلية أحمد جمال الدين بتفقد موقع الأحداث بميدان التحرير ومحيط السفارة الأميركية، موضحاً أن إقدام قوات الأمن على إخلاء الميدان جاء انطلاقاً من التزام مصر بحفظ الأمن وحماية المنشآت المهمة والديبلوماسية والسفارات الأجنبية وفقاً لالتزاماتها الدولية ومبدأ المعاملة بالمثل. وأكد أن قوات الأمن التزمت أقصى درجات ضبط النفس خلال تعاملها مع المحتجين طوال الأيام الماضية. وكشفت تحقيقات النيابة أن الاشتباكات التي اندلعت بين قوات الأمن والمتظاهرين أمام السفارة الأميركية أسفرت عن مقتل اثنين من المتظاهرين، وإصابة العشرات بإصابات سطحية، فيما أعلن مصدر أمني أن أعداد المصابين في صفوف قوات الأمن نتيجة الاشتباكات ارتفع إلى 99 مصاباً من بينهم 7 إصابات بطلقات خرطوش. وفي سيناء عاد الهدوء مجدداً إلى محيط معسكر القوة المتعددة الجنسية الواقع جنوب مدينة الشيخ زويد عقب انتشار آليات عسكرية مدرعة لتأمينه وإبعاد المحتجين الذي كانوا يتظاهرون الجمعة ضد الفيلم المسيء للرسول الكريم. وكان مسلحون اقتحموا المعسكر يوم الجمعة وأنزلوا علم الأممالمتحدة من فوق أحد الأبراج الحدودية وعلقوا مكانه علم الجماعات الجهادية بلونه الأسود وعبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وأوضح أحد العاملين في معسكر قوات حفظ السلام أن هجوم المسلحين أسفر عن إصابة 4 عناصر من دولة فيجي. الأزهر في غضون ذلك، استمرت أمس ردود الفعل الغاضبة حول الفيلم المسيء للإسلام، ودعا الأزهر الشريف الجميع «إلى الحكمة وضبط النفس»، مؤكداً «إدانته المساسَ بالأبرياء»، مؤكداً «وجوب حماية البعثات الديبلوماسية ومقار الهيئات الدولية». لكنه طالب باتخاذ «الإجراءات القانونية الدولية لعدم تَكرارِ مثلِ هذا التطاول الوَقِح، الذي وقع من قبلُ في بعض بلاد الشمال الأوروبي، وحدث هذا الأسبوع مرة أخرى في الولاياتالمتحدة الأميركية، التي تقضي قوانينُها بتجريم ازدراء الأديان، وتجريم التمييز بين معتَنِقِيها». كما طالب الأزهر في بيانه بان كي مون أمين عام الأممالمتحدة ب «إصدار قرار دولي يقضي بعدم المساس برموز الدين الإسلامي ومقدساته... ولا بد من معاقبة هؤلاء المستهترين الذين أقدموا على تلك الأفعال الشنيعة».