(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي). فُجِعَ العالمان العربي والإسلامي برحيل الأمير نايف بن عبدالعزيز، كما فجع أبناء المملكة جميعاً بهذا الحدث الجلل الذي لا راد له. وفي غمرة الحزن والألم الشديدين لفقدان الرجال، تستحضر الخصال التي ميزتهم. إن الأمير نايف لم يكن أميراً مسؤولاً عن إحدى أهم وزارات الدولة في وقت عصيب، وإنما كان رجل دولة حَصِيفاً. أشرف الرجل على وزارة الداخلية في زمن فَتَكَتْ فيه آفة الإرهاب والاضطرابات أوصال الأمم، وتجنيبه المملكة أشد مخاطر هذه الآفة بحزم وكياسة شديدين، لا يتأتى إلا لصاحب رؤية سياسية ثاقبة مسنودة برؤية فكرية عميقة، وهو ما كان يتمتع به الفقيد، تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنانه. إنه صاحب القول الذائع: «ليس الأمن أجهزة وإمكانات لمكافحة المؤثرات على الأمن فحسب، وليس الأمن مؤسسات العقاب والإصلاح فقط، ولكنه أيضاً وفي المقام الأول شعور بالأمان». كان الرجل حليماً في حزمه، حازماً في لينه، خفيض الجناح لصاحب الحق، غاضباً له، مُرَبياً للمخطئ، عَفُوّاً عن المسيء، مقتصّاً من المتجاوز بعد تماديه، شديد الإنصات لمحاوريه، داعياً إياهم إلى بلاغة الإمتاع بحسن الديباجة، وقوة الإقناع بعمق الفكرة، وبُعْدِ النظر، ووجاهة الحُجَّة، فإذا أنصت أمهل واستوعب، وإذا تحدث أفصح وأقنع. ما تجتمع هذه الصفات إلا لرجل خبر الحياة، وتَمَرَّسَ بالتجارب، فَحَدَسَ الدَّوَاخِلَ، وأَبانَ عن مكنوناتها بتواضع العَالِم، وناظرها بالشاهد والمثل المُبين من موروثه الثقافي الثري، ومن بصيرته الثاقبة في تحليل الوقائع، ورد الشَّاهد إلى الغائِب من الأحداث والوقائع، لتقويم ما اعوج منها، أو تبني ما تراه حصافته مفيداً، بعد إقناع محُاوريه بما خفي عنهم من الأمور. من عرف الأمير نايف بن عبدالعزيز، عَرَفَ علماً غزيراً، وأدباً جماً، وإلماماً واسعاً بالتيارات الفكرية والثقافية الحديثة والقديمة. عَرف تواضعاً، وسُمُو أَخْلاقٍ، يُخْجِلُ بها المسؤولَ، ويَخْجَلُ بها أمام السائلِ، حتى لََيَصْدُقُ فيه قول زهير بن أبي سلمى: تَراهُ إذا ما جئْتَهُ مُتَهَلِّلا كَأنَّك تُعْطِيهِ الذي أَنْتَ سَائِلُهْ كان، رحمه الله، إنساناً إلى أبعد الحدود، يتعامل مع الكبار بما يستحقونه من احترام، ومع الصغار بما يستحقونه من رحمة ولطف، ومع المخطئين بما يستحقونه من جزاء. إنه الرجل المتواضع، تناديه فيصغي، وتسأله فيجيب، لا واسطة بينه وبين أصحاب الحاجات. الأمير نايف بن عبدالعزيز جمع ما تفرق في غيره، مسؤولاً وإنساناً. بقدر ما تعددت أياديه البيضاء التي امتدت بالخير للمملكة وأبنائها بخدمات عظمى، وللعالمين العربي والإسلامي، وللإنسانية، بقدر ما توحدت المواقف في شخصه، تبكيه بكاء الإكبار والفقد... إلى الثرى وُرِيَ جسده الطاهر، وفي النفوس تخلد ذكراه العطرة بالكرم والسماحة والحِلم. داعية له بالرحمة والمغفرة والجِنان الفسيحة. ولأهله وذويه ولأبناء المملكة، ولمن له الفضل عليهم بالصبر والسلوان. فبقلوب راضية بقضاء الله وقدره، ونفوس معترفة بما للفقيد من أفضال، تتقدم الملحقية الثقافية السعودية بالمملكة المغربية، بكل مكوناتها، إلى خادم الحرمين الشريفين والشعب السعودي الوفي وأبناء وبنات الفقيد، بأحر التعازي وأصدق مشاعر المواساة... و(إنا لله وإنا إليه راجعون). الملحق الثقافي السعودي بالمغرب